التحول إلى الطاقة المتجددة في فلسطين: الطاقة الشمسية نموذجاً
زكريا السرهد
تعرف الطاقة المتجددة على انها تلك التي يتم توليدها من مصادر طبيعية، وغير قابلة للنفاذ مع الاستخدام المستمر لكونها دائمة التجدد، وتتميز بأنها طاقة نظيفة لكونها صديقة للبيئة، فلا تؤثر عليها بشكل سلبي، حيث لا تنتج الغازات الدفيئة التي تساهم في الاحتباس الحراري الذي يلعب الدور الأساسي في التغير المناخي، وهذا ما أدى الى وجود متلازمة ما بين مفهوم الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة، وبشيء من التحديد يمكن القول ان صفة الطاقة النظيفة هي جزء من مزايا الطاقة المتجددة.
التحول نحو الطاقة المتجددة والنظيفة حول العالم:
يشكل الاعتماد على الطاقة عن طريق الوقود الاحفوري لتوليد الكهرباء والحرارة اكبر مساهم في التغير المناخي في العالم، حيث يمثل 57% من انبعاثات غازات الدفيئة، وحوالي 90% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ونتيجة للبحث عن وسائل لمواجهة التغيرات المناخية، والتقليل من نسب الانبعثات الغازية وغازات الدفيئة، تلجأ العديد من الدول الى واحدة من الاستراتيجيات الأساسية في مواجهة خطر التغير المناخي، وهو الاعتماد بنسب اكبر على الطاقة المتجددة والنظيفة، وذلك لخلوها من الانبعاثات الغازية التي تساهم في تلوث الجو، ورفع نسب غازات الدفيئة ورفع درجات الحرارة التي لها علاقة بالتغير المناخي، حيث لا يزال الوقود الاحفوري يشكل ما يزيد عن 80% من مصادر الطاقة في العالم.
وتهدف هذه الاستراتيجية في الوصول عام 2050 الى معدل انبعثات غازات الدفيئة بنسبة صفر تقريباً، وذلك من اجل الحد من تدهور النظام المناخي والبيئي على الكوكب، وهذا يحتاج الى التخلص من الاعتماد على الوقود الاحفوري والاستثمار في مصادر طاقة بديلة متجددة ونظيفة من عدة مصادر كالشمس والرياح المياه والنفايات وحرارة الأرض. الا ان الجهود العالمية مستمرة باتجاه استخدام مصادر الطاقة البديلة المتجددة والنظيفة، حيث ان 29% من مصادر الكهرباء تأتي من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.
مزايا الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة:
هناك العديد من المزايا الإيجابية للاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، الى جانب التخلص من مصادر الطاقة التي تساهم في تدمير الحياة على الكوكب، ومن هذه المزايا:
1. الوفرة: بشكل عام، ترى وكالة الطاقة الدولية ان 90% من الكهرباء في العالم يمكن الحصول عليها من مصادر متجددة ونظيفة.
2. انخفاض في التكلفة: تشير البيانات ان هناك انخفاض مستمر في تكلفة انتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية ما بين الأعوام 2010 -2020 وذلك بنسبة 85%، وتكلفة انتاج الكهرباء من طاقة الرياح بنسبة 56%، وتكلفة انتاج الكهرباء من الطاقة البحرية بنسبة 48%. وتشير التوقعات ان 65% من الكهرباء في العالم سوف يتم انتاجها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وبشكل عام فأن القدرة التنافسية لمصادر الطاقة المتجددة لانتاج الكهرباء في ازدياد، وذلك نظراً لارتفاع أسعار أنواع الوقود الأخرى كالوقود الاحفوري كالبترول والفحم الحجري.
3. الحفاظ على الصحة: بناء على تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن 99% من السكان في العالم يتنفسون هواء يتجاوز الحدود القصوى لجودة الهواء، وان اكثر من 13 مليون وفاة سنوياً تعود لأسباب بيئية يمكن تجنبها وخاصة فيما يتعلق بجودة الهواء.
4. خلق فرص عمل: تشير التقديرات ان كل دولار يتم استثمارة في مشاريع الطاقة المتجددة ينتج ثلاثة اضعاف الوظائف المستخدمة في مشاريع الوقود الاحفوري، حيث ان التحول الى انبعاث صفري من الغازات الدفيئة يمكن ان يؤدي الى زيادة الوظائف في قطاع الطاقة، ففي حين سيتم فقدان 5 ملايين وظيفة في قطاع الوقود الاحفوري بحلول عام 2030، سيتم استحداث 14 مليون وظيفة جديدة في مجال الطاقة النظيفة، أي بزيادة 9 ملايين وظيفة فعلياً.
5. الجدوى الاقتصادية: تم انفاق حوالي 5.9 ترليون دولار على دعم صناعة الوقود الاحفوري عام 2020، وفي المقابل يجب استثمار ما قيمته 4 ترليون دولار سنوياً في الطاقة المتجددة حتى العام 2030، للوصول الى الانبعاثات الى مستوى صفر بحلول العام 2050، وتبدو هذه التكلفة كبيرة نسبياً، الا ان الاستثمار في الطاقة المتجددة والنظيفة سيؤتي ثماره على المدى البعيد بحيث يوفر على مستوى العالم 4.2 ترليون دولار سنوياً بحلول العام 2030.
امكانات الطاقة الشمسية في فلسطين:
تعتبر الطاقة الشمسية من اهم إمكانات الطاقة المتجددة في فلسطين، وذلك لكونها تعتبر من احد اعلى مستويات الاشعاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، حيث يبلغ المتوسط اليومي بنحو 5.4 كيلو وات في الساعة لكل متر مربع، وفي كانون الثاني يمكن ان يصل الاشعاع الشمسي اليومي الى 2.63 كيلو وات في الساعة لكل متر مربع، وفي حزيران قيد يصل الى الاشعاع الشمسي الى 8.4 كليو وات في الساعة لكل متر مربع. وتقدر إمكانات الطاقة الشمسية على اسطح المنازل في قطاع غزة بحوالي 163 ميغا وات، وفي الضفة الغربية بحوالي 534 ميغا وات.
تشير دراسات البنك الدولي ان إمكانات الطاقة المتجددة في فلسطين تبلغ 4246 ميغا وات، تشكل الطاقة الشمسية المحتملة المقدرة بحوالي 4174 ميغا وات من اجمالي تلك الامكانات، وبنسبة تصل الى 98% من اجمال الطاقة المتجددة، الى جانب طاقة الرياح والكتلة الحيوية البالغة 72 ميغا وات.
واقع استخدامات الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء:
يشير الرسم البياني التالي الى توزيع مشاريع الطاقة الشمسية على الاسطح لغايات انتاج الكهرباء في فلسطين وفقاً للمنطقة الجغرافية، والتي بلغت مجموعها 697 مشروعاً، منها 534 في الضفة الغربية، و163 في قطاع غزة:
وتتعدد وجهة استخدام تلك المشاريع ما بين الاستخدام التجاري والعام والمنزلي، ويوضح الرسم البياني التالي توزيع نسب تلك الاستخدامات، حيث ان اغلب الاستخدام لمشاريع الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء هي للاستخدام المنزلي، فيما لا تتوفر استخدامات لغايات صناعية كما يوضح الرسم البياني التالي:
كما تشير البيانات ان إنتاجية مشاريع الطاقة الشمسية من الكهرباء التي تم التعاقد على تنفيذها مع مختلف شركات الكهرباء في فلسطين قد بلغت حوالي 83.8 ميغاوات، وان ما تم تنفيذه بلغ 119 ميغا وات، بمجموع 202.8 ميغاوات، وهي تشكل ما نسبته 5% تقريباً من اجمالي إمكانات الطاقة الشمسية في فلسطين والمقدرة بحوالي 4174 ميغا وات.
الاستثمار في انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية:
استناداً الى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإن القطاع الخاص هو المزود الرئيس لرأس المال مشاريع الطاقة المتجددة، وبنسبة تصل الى 86% من الاستثمارات في هذا القطاع ما بين الأعوام 2013-2018، ووفق مجلس تنظيم قطاع الكهرباء يتم تمويل غالبية الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة من قبل القطاع الخاص في فلسطين.
ورغم ان الحكومة قد أنشأت رزمة من الحوافز من اجل الاستثمار في القطاع المذكور، الا ان احجام القطاع الخاص عن الدخول في هذا المجال من الاستثمار ما زال كبيراً، وذلك لتخوفهم من وجود مخاطر عالية في خوض هذا النوع من الاستثمار. ومن خلال تحليل البيئة الاستثمارية للدخول في مشاريع الطاقة المتجددة في فلسطين، تبين ان هناك حاجة الى اطار جديد لتشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والحد من تحديات الاستثمار الذي يجب ان يبنى على تقليل المخاطر اولاً قبل التفكير بحزم الحوافز.
وتشير بيانات سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الا انها نجحت في تنفيذ العديد من مشاريع انتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية في مختلف محافظات الوطن، موفرة بذلك ما نسبته 14% من الطاقة الكهربائية المنتجة محلياً، و1% من اجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة في فلسطين، ومنحت تراخيص تجارية للقطاع الخاص لانشاء محطات طاقة شمسية بقدرة اجمالية بلغت 53 ميغاوات في مناطق مختلفة، وتقوم باعداد دراسة حول استخدام الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء على اسطح المباني الحكومية بقدرة اجمالية تبلغ 700 كليو واط، وبتكلفة تقديرية 744 الف دولار في المرحلة الأولى، الى جانب مجموعة من مشاريع انتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية كمشروع مسافر بني نعيم بقدرة اجمالية 30 ميغا وات، ومشروع الخلايا الشمسية على مباني الجامعات وآبار المياه بقدرات تتراح ما بين 30-550 كليو وات. كما تقوم بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع انتاج الطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية لحوالي 82 مدرسة، وبقدرات تصل الى 720 كيلو وات بتمويل حكومي، وتكلفة اجمالية تصل الى 1.16 مليون دولار. وهذه البيانات جاءت على سبيل المثال لا الحصر، ولإظهار التقديرات للتكلفة مقابل الإنتاجية، حيث لا تتوفر حتى الآن قاعدة بيانات شاملة توضح ما تم تنفيذه فعلياً من مشارع لانتاج الكهرباء اعتماداً على الطاقة الشمسية.
المعوقات الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي:
ان التحول الى استخدام الطاقة المتجددة، الطاقة الشمسية تحديداً، يواجه بأكبر معيق وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل تهديداً لأية خطط نحو زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية في انتاج الكهرباء، والسبب الرئيس يعود لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على ما يزيد عن 61% من الأراضي الفلسطينية والمصنفة مناطق (ج)، وهذا يحد من القدرة على انشاء محطات توليد كهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، حيث تحتاج المشاريع الكبيرة من هذا النوع الى مساحات واسعة والتي تتوفر بشكل اكبر في المناطق التي لا تسيطر عليها دولة فلسطين، حيث يمنع الاحتلال الإسرائيلي إقامة تلك المشاريع، وبالتالي، نرى كما اشرنا سابقاً ان اغلب مشاريع توليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية تتم باستخدام الواح شمسية على اسطح المباني، وهذا يبقي إمكانات توفير طاقة متجددة عن طريق الطاقة الشمسية محدودة للغاية، ويحد من رغبة القطاع الخاص في الاستثمار في انتاج الطاقة المتجددة. كما انه لو توفرت مساحات ضمن المناطق المصنفة (أ) لإقامة مشاريع كبيرة لانتاج الطاقة عن طريق الالواح الشمسية، فإنها سوف تكون مكلفة بسبب ارتفاع أسعار الأراضي داخل تلك المناطق مقارنة بأسعار الأراضي في المناطق المصنفة (ج)، مما يرفع من تكلفة تلك المشاريع، وبالتالي تصبح الجدوى الاقتصادية من اقامتها ضعيفة.
* جمعية الحياة الخضراء