عاجل

الرئيسية » ثقافة »
تاريخ النشر: 16 أيلول 2023

زمن القناطر للكاتب عامر سلطان

رواية تستعين بالتّاريخ لتطرح سؤال الوجود ومعناه

لبابة صبري

تعدّ رواية "زمن القناطر" رواية إنسانيّة عميقة، تتناول مسائل غنيّة متعدّدة؛ المسألة التاريخيّة، الذاتيّة، السياسيّة، الوطنيّة والإجتماعيّة، وسأتحدّث عن ذلك بالتوالي:

تسمية الرّواية

تشير تسمية الرّواية "زمن القناطر" وجميع فصولها بالأزمان: زمن التلال والإغتراب وما إلى ذلك، إلى التّركيز على حركة الزّمن بأنّها حركة التحوّل والتداخل (وليست حركة متوالية تاريخيّة وتنمو)،فالزّمن في الرّواية يجري كالأنهر، يتدفّق بالتحوّل والتغيّر ولا يتناول تاريخًا محدّدًا، في كلّ زمن من أزمان الرواية يتناول عامر أحداثًا حاضرة وماضية يتذكّرها ورسائل جدّه وروايات من ذاكرة الحاج خضر.

إنّ الكاتب لا يكتفي بتغيير إتّجاه الزّمن من الحاضر إلى الماضي، وإنّما يقوم أيضًا بتعديل إتّجاه السّرد من السّرد النّمطيّ الخطّيّ إلىسرد متقاطع يخالف فيه توقّعات القارىء، الذي يحسّ لدى توقّف الرّاوي وتغيير الإتّجاه بتوق شديد لمعرفة الجديد الذي تؤول إليه هذه الحركة[1].

الأمر الذي يقودنا إلى ألّا نعتبر الرواية رواية تاريخيّة بقدر ما هي رواية تستعين بالتّاريخ لتطرح السؤال عن الوجود ومعناه،وقدإستخدم عامر لأكثر من مرّة مسألة الوجود، وفي إحداها أشار إلى تجسيد صراع الوجود.

المسألة التاريخيّة

إنّ عامر في روايته – تاريخ مدينة الخليل بشكل خاص – يذهب أبعد من التّاريخ، إذ يواجه ما يمحوه الزمن، الزوال: زوال الأماكن والنّاس. كأنّ ديمومة التّاريخ لا تكون إلّا على قاعدة المحو والتحوّل؛ حتى لكأنّ الحياة في الرّواية والأحداث والتعرّف على التّاريخ الإجتماعيّ والثقافيّ لمدينة الخليل، كلّ ذلك تمّ بعد موت الجدّ؛ من خلال رسائله. أو كأنّ التّاريخ سجّل لحركة التحوّلات المحكومة بالموت والولادة، بالغياب والحضور، بعوامل الصّراع والحروب.لعلّ التاريخ يغذّي الذاكرة، والذاكرة تحفظ للتاريخ الحياة إذ تعود بها إلى الوجود.

المسألة الذاتيّة

ما يلفت النّظر في رواية عامر عن القضيّة الفلسطينيّة هو فسحه حيّزًا واسعًا من النّقد الذاتيّ، كأنّالهزيمة في ثورة عام 1936 ضد الإستعمار البريطانيّ وما تلاها من هزائم عام 1948 و1967 ضد الإحتلال الإسرائيليّ وما تلاها أيضًا من عجز عن مقاومة الإحتلال وتوسّعه في الإستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة هو ما إستدعى العودة إلى الواقع بحثًا عن أسباب تفسّر ليسإستمرار الإحتلال وحسب بل شنّ الحرب على الفلسطينيّ وقتله حتى خارج أرضه (كما حصل مع قتل حامد وزوجته في الكويت، ومحاولة قتل أبا العهد (محمد) في لبنان)، لعلّ تعريف عامر - على لسان شخصيّة نادرة - للإحتلال هو لبّ الصراع الإنسانيّ الفلسطينيّ حيث تقول الشخصيّة: الإحتلال هو أن تُسرق أحلامنا كلّها ولا يبقى لنا إلا حلم واحد متاح وهو أن نجتاز ما تبقّى لنا من العمر دون فقدان جديد ودون أن تقسو علينا الحياة أكثر، وحتى هذا لا يتحقّق، الإحتلال هو أن تكون أقصى أمانينا أن لا يأتي الغد بالأسوأ.

المسألة السياسيّة

يقدّم عامر مشاهد من ثورة عام 1936 - 1939 من خلال رسائل جدّه رباح إلى حبيبته سارة اليهوديّة الفلسطينيّة، ومشاهد من مقاومة الشباب للإحتلال الإسرائيليّ بعد أوسلو، وتطرح الرّواية سؤالها عن إمكانيّة إنتصار هذه المقاومة وذلك من خلال إخلاء المستوطنين لبيت الجدّ رباح، قتل الضابط إيتسي والخائن علي، وعودة أبي العهد (محمد ابن الجد رباح وعم راشد).

يمارس عامر النّقد السياسيّ، وذلك من خلال رسالة الجدّ إلى سارة حول سنوات الثورة وأنّ هناك بعض الإقطاعيّين من العهد العثمانيّ يحاولون إجهاض الإضراب أيام ثورة 1936 خوفًا على مصالحهم، وهناك بعض الإقطاعيّين يحاول أن يمتطي ركاب الثورة ويشكّل فصيل بإسمه، إنها سوق وطنيّة، وهؤلاء يشكّلون خطرًا يوازي خطر الإستعمار.

كما تناول مسألة التحرّر من الجدار وذلك بالرسم عليه، سواء رسم القادة أو رسم الطفلة التي ترفع الجدار. وأيضًا تأمّل شيري للمستوطنات ذات المباني الضخمة والفلل الفارهة المنتشرة حول القدس وبالمقابل إصرار البدو في البقاء في خيمهم في الخان الأحمر وكيف أنّ البدو هم الذين يشعرون بالأمان لأنهم في أراضيهم. وكذلك تناول مسألة الخيانة من خلال شخصية عليّ العميل مقابل حاتم الثوريّ، والتحدّث عن سارة اليهودية الفلسطينية. وقصة أبي العهد الفدائيّ (محمد رباح) عم راشد.

المسألة الوطنيّة

يذكر لنا عامر أسماء المدن الفلسطينيّة من خلال الرحلة التي قام بها راشد وشيري وسميرة، وأسماء القرى من خلال الطريق التي سلكها كل من راشد وشيري من أريحا إلى رام الله. ويعود إلى رسائل جدّه لتعود مدينة الخليل القديمة في ذاكرة الكتابة إلى الحياة، يتحدّث عن بعض الأماكن القديمة التي زالت بسبب دمار الإحتلال ولن تعود، وبعضها الآخر الذي تم الحفاظ عليه.وتطرّق أيضًا لأهميّة القدس والأقصى وأهمية بيت لحم مهد المسيح.كما يذكر لنا عامر إحدى أهم صناعات الخليل من الجلود ومنتوجات العنب التي تصنعها النساء قديمًا وإلى الآن من مربّى وخبيصة ودبس وملبن وزبيب.

المسألة الإجتماعيّة

يقوم عامر في الرّواية بفتح حوار حول المسائل الإجتماعية أي لا يقتصر بنقدها، وإنّما بالتفكير حولها وذلك بعرض المسألة الإجتماعية مع شيري وتبادل الأفكار (القانون مقابل الأخلاق)، وبهذا يفتح المجال أمام القارىء للتفكير والمساءلة، أي لا يعطي أجوبة محدّدة، وهنا تكمن قوة الكتابة الأدبية والروائية؛ مثلًا: مسألة الزواج ومسألة الحفاظ على القيم الإجتماعية والعادات والتقاليد، مسألة تواجد شيري مع راشد أثناء العمل في الخليل، مسألة الحنين إلى الطفولة والبيوت القديمة، مسألة تحرّر نادرة أمام البحر وخلع حجابها؛ مسألة اللباس المتديّن، عرضه ونقده في ذات الوقت.مسألة الحب: أسهب عامر في وصف شعوره إتجاه نادرة، كما يوجد تشابه بين قصة زواج والد ووالدة الجدّ رباح، التي رواها الجدّ في رسالته إلى سارة؛حيث أنّ والد الجدّإلتقى بالفتاة في مغارة يقدّمون فيها النذر من أجل إزالة الكرب، وكانت الفتاة مليئة بالحزن،وبين قصة زواج راشد ونادرة؛حيث أنّ راشد إلتقى بنادرة في حارة القزازين في المكان الذي قُتل فيه والدها، وكانت مليئة بالحزن.

خلاصة

يستمرّ عامر في روايته بمجملها في المضيّ إلى الأزمنة مسكونًا بسؤاله عن الوضع الإجتماعيّ والثقافيّ الفلسطينيّ، عن الزّمن والوجود، عن الذاكرة ومقدرتها على التخيّل، عن حقيقة ما يُستعاد. يكتب مُصغيًا/ قارئًا رسائل جدّه، ليقدّم لنا عملًا ملحميًّا لحياة مدينة الخليل. ويجعل القارىء مشاركًا للأحداث والمواقف والشعور؛ حيث يقوم القارىء بالتفكير إجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا وبالتساؤل الوجودي الإنساني الفلسطيني وبالشعور سواء بالحزن أو بالفرح،  ومن خلال الرواية يتعرّف القارىء إلى الحقيقة في متخيّل التاريخ وفي الزمانية الملتبسة.