الخليل- خاص الحياة الثقافية- الفنُ عالم قوامه الحرية، والمثل الأعلى للحرية يولد من رحم امرأة وهي تخوض أصعب الآلام التي يواجهها البشر كما يصفه علماء الإنسانية، إنها عملية الولادة، ربما هنا تتطابق الصورة بكل أبعادها مع التشبيه، حيث ورد في اللوحة التشكيلية "ولادة جديدة"، للفنانة الشابة شمس الدين جبران.

ترى في لوحة جبران رحم امرأة في داخله فلسطين بكل ما يمثلها من تراث وهوية، وكأنها تؤكد على التماسك والكينونة رغم الحصار والآلام وكل الخناقات التي يمارسها المحتل، لا تزال فلسطين في هذه اللوحة حبيسة رحم المعاناة، لكن كل شيء في هذه المعاناة مرسوم من وجهة نظر القوة، ربما قوة الصمود والارادة والايمان بالحق، للدفع قدماً اتجاه الخروج من العنق وتحقيق الحلم.

"فرجٌ عسير والولادة صعبة؛ لكنّ الارض حبلى بالمخاض المرتجى"، انما إرهاصات ولادة فلسطين الحرّة، تتمثل في المسجد الاقصى المرسوم على رحم المعاناة، كما صوّرت الفنانة الشعب الفلسطيني بكل فئاته يلتفون حول قضيتهم وتراثهم وهويتهم على أطراف الرحم ليحافظوا على الوطن متماسكاً من جهة، وليخرجوه بسلام من جهة أخرى، تضيف الفنانة أنها حاولت الدمج بين كل أشكال التراث، "وأن أكثر ما يربط الفلسطيني بأرضه في هذه اللوحة تجسد في بلاط المسجد الأقصى الملتصق بالتراب، وعلى كل بلاطة جنين آخر، يتعلق بجذر شجرة وكأنه حبل مشيمة يغذّي طفل الحرية".

أبعد من الصورة

غالباً، يذهب الفنانون التشكيليون إلى أبعد من الصورة، حيث أحاطت الفنانة الرحم بكتلة من الدماء، ربما يجدها البعض مشهداً عادياً بالنظر إلى جسم الإنسان، لكنّها تقول إن اللون الأحمر رمز يشير إلى التضحية والفداء تارة، وإلى ارتقاء الشهداء حيث تنتشر رائحة الموت في كل مكان  تارة اخرى، كما ان اللون الأحمر جزء من العلم الذي يرمز إلى فلسطين.

صورةٌ بليغة تحمل رسالة الملايين، وإن إردت التعمق أكثر يمكنك الدخول إلى قضية اللاجئين من بابٍ قديم هجره اهله جبراً عنهم في العام 1948، لعلّهم يعودون في يومٍ ما، تشير الفنانة جبران إلى رموز أخرى في اللوحة مستوحاه من التراث، وتحيك بريشتها الثوب الفلسطيني والسنابل الذهبية على جدار الرحم، تلك المفاهيم التي تولد مع كل طفل من أطفال فلسطين.

تحمل اللوحة في شكلها ومضمونها رسالة إنسانية سامية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببيولوجية الإنسان، وحقّه في الحرية والبقاء على أرضه، والتمسك بهويته وتراثه وقيميه الوطنية، التي لا تزال رهينة أبشع احتلال عرفته البشرية.