العزل الانفرادي.. أداة الاحتلال "القذرة" لتحطيم الأسرى
رام الله - وفا- إيهاب الريماوي
"لك أن تتخيل حالك وأنت تقضي سنوات أو أشهر أو أسابيع، في غرفة قاتمة مظلمة، لا تزيد عن مترين، وتمنع من زيارة عائلتك أو الحديث مع الأسرى، ولا ترى الشمس، وتتعرض لجولة من التحقيق قد تمتد لأكثر من 16 ساعة دون نوم"، هكذا يصف الأسير السابق غسان سطوف وضعه خلال 55 يوما أمضاها في العزل الانفرادي.
يقول إن كل ما يمكن أن يقوم به الأسير في هذه المساحة الصغيرة والطويلة وقتا، أن يعد فقط أيام بالثواني والدقائق، ويصاحب نفسه، ويتحدث أيضا مع نفسه، لكسر حالة الجمود المخيفة.
ووفق مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان سحر فرنسيس، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تبدأ بعزل الأسرى منذ لحظة نقلهم إلى السجون داخل دولة الاحتلال، حتى تقطع صلاتهم مع عائلاتهم ومجتمعهم والعالم الخارجي، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة رقم 76 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي منعت بشكل واضح "النقل الفردي أو الجماعي بالإضافة إلى الترحيل للأفراد من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة".
وتضيف "تستخدم دولة الاحتلال العزل أيضا خلال فترة التحقيق، من خلال منع المعتقل من زيارات المحامي وزيارة مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقد يصل العزل أثناء التحقيق إلى 90 يوما".
وتؤكد "خلال نقلهم تقوم سلطات الاحتلال بالتحكم بمجرى حياتهم بشكل مطلق، فهي تتحكم بزيارات الأهل عبر نظام التصاريح الخاصة والإجراءات الأمنية التي تفرض بهذا الصدد، ويحرم المئات من العائلات من الزيارة بحجج أمنية، فمثلا تم منع كافة معتقلي وأسرى قطاع غزة بشكل مطلق من الزيارة العائلية منذ حزيران 2007 وحتى 2012".
وتتابع فرنسيس: إدارة السجون الإسرائيلية تمارس سياسة العزل ضد الأسرى، وبخاصة القادة منهم، كإجراء عقابي بحقهم، وبغرض زعزعة استقرارهم وحرمانهم من حقوقهم بالتواصل مع العالم الخارجي وتلقي الزيارات العائلية، كذلك تلجأ إلى هذه السياسة كوسيلة لإخضاعهم ولإضعاف قدرتهم التنظيمية، وتشتيت صفوفهم، وشل قدرتهم على تنظيم نضالهم لتحقيق حقوقهم المكفولة كأسرى حرب ومناضلين من أجل الحربة المكفولة في اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة وسائر اتفاقيات حقوق الإنسان.
ولفتت إلى أن العزل يسبب أضرارا نفسية للأسرى والمعتقلين، فيؤدي إلى التشتت في النوم، والاكتئاب، كما يساهم في تفاقم الحالة النفسية للأسير إن وجدت قبل العزل، والعديد من تلك المشاكل النفسية التي لا تزول بخروج الأسير منه، بل من الممكن أن ترافقه عند عودته للسجن الجماعي أو حتى إلى حياته الطبيعية بعد إطلاق سراحه.
وشددت فرنسيس على أن سجون الاحتلال تقدم علاجا نفسيا منقوصا للأسرى، غالباً ما يقتصر على حبوب الدواء دون تشخيص من أطباء، إضافة إلى أن العلاج يقدم باللغة العبرية بحضور سجان يترجم كلام الطبيب للعربية، وهذا يتعارض مع أخلاقيات مهنة الطب.
وتشير إلى أن للعزل أثار جسدية على الأسرى أيضا، حيث يعاني الأسرى المعزولون من ظواهر في الجهاز الهضمي والأوعية الدموية والقلب، والأجهزة التناسلية والبولية، نتيجة الرجفة والفزع من ألم الرأس والكوابيس والتعب، كما ويتسبب العزل في اضطراب في دقات القلب والتعرق الزائد وضيق التنفس.
تروي ابتهال أبو نواس زوجة الأسير ربيع أبو نواس من بلدة سنجل شمال رام الله، المعزول في عزل "أيلون" بسجن الرملة منذ شهر أيلول/سبتمبر العام الماضي بظروف تفتقر لأدنى مقومات الحياة، صدمته عندما علم أن شهر رمضان قد بدأ منذ سبعة أيام من موعد الزيارة.
تقول، إن زوجها أخبرها أنه لا يعلم تاريخ اليوم، ولا الساعة، ولا إن كان الوقت نهارا أم ليلا، فزنزانته تقع تحت الأرض، لا ضوء فيه ولا نور شمس.
ووصف زنزانته لزوجته بأنها قذرة جداً، حيث يتعمد السجانون زج الأوساخ فيها كلما خرج لساحة "الفورة" وعاد إليها، ورغم أنه عندما ينتقل من زنزانة إلى أخرى يقوم بتنظيفها حتى يتمكن من العيش فيها، لكن السجانون يتعمدون نشر القاذورات فيها بشكل مستمر.
وسحبت إدارة السجون كل مقومات الحياة في زنزانته الضيقة، حيث صادرت التلفاز والراديو، في محاولة لمنعه من معرفة أي شيء يدور حوله.
بدا ربيع ضعيفاً هزيلاً خلال زيارته الأخيرة، "ليس هذا ابني الذي تعودت عليه، واضح أنه في حالة سيئة، فكيف لشخص بين أربع جدار أن يكون وضعه؟"، تقول والدته.
جاءهما ربيع بملابس بالية، وبشعر طويل، حيث تحرمه إدارة سجون الاحتلال من تنظيف ملابسه، كما صادرت ماكينة الحلاقة، وواجه هذه الاجراءات بإعادة وجبات الطعام التي تقدم له للضغط على الاحتلال لتغير ظروفه عزله.
اعتقل ربيع الذي يعمل في مجال التمديدات الكهربائية في التاسع والعشرين من شهر تشرين أول/ أكتوبر عام 2019، واقتيد حينها إلى سجن عوفر غرب رام الله، وفي الثاني من شهر آذار مارس وقع عملية قمع بالسجن، نقل على أثرها إلى العزل، وبقي معزولاً لمدة عام ونصف العام.
أنهي عزله في شهر حزيران/ يونيو عام 2021، وفي شهر أيلول/ سبتمبر من ذات العام عزل من جديد بزعم ضربه لسجان، وهو في العزل لغاية الآن.
عند اعتقاله كانت طفلته الصغرى سوار لا تتجاوز الشهرين، ولم تتعرف على والدها إلا من خلال الصور، واليوم تبلغ من العمر عامين ونصف، والوسطى ماسة أربع سنوات، والبكر فاطمة ستة سنوات.
تقول زوجته ابتهال أبو نواس، إنها قررت في الزيارة الأخيرة اصطحاب طفلتها سوار حتى تتعرف على والدها عن قرب، لكن الحالة التي كان فيها كان من الصعب عليها أن تعرفه، فلم تتفاعل معه، رغم أنه كان يحاول أن يلاعبها إلا أنها كانت ترفض الحديث معه.
عندما اعتقل ربيع طلبت نيابة الاحتلال حكما بحقه بالسجن لعدة أشهر فقط، لكنه لم يحكم حتى اليوم، ووفق زوجته فإن الحديث يدور الان عن حكم طويل قد يصل إلى 16 عاماً.
وبحسب نادي الأسير فإنه مع نهاية شهر آذار/ مارس الماضي، فإن 29 أسيرا معزولين في مختلف سجون الاحتلال بفترات متفاوتة.
ويعتبر العزل وفق القانون الدولي، ضربا من ضروب التعذيب النفسي المحظورة بموجب المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب المبرمة في العام 1984، كما يعتبر من أساليب المعاملة اللاإنسانية المحظورة بمقتضى المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية.
وتشكل سياسة العزل كما تمارسها إدارة سجون الاحتلال، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار النفسية والصحية لدى الأسرى والمعتقلين التي يتسبب بها العزل وانقطاع الاتصال بالعالم الخارجي، مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
مواضيع ذات صلة