حذاء سندريلا
سما حسن
لم أكره عادة في حياتي مثل عادة استعارة الملابس والأحذية بين البنات والنساء وما يتبعها من لوازم أخرى مثل الاكسسوارات وأدوات الماكياج، فأنا أعتبر أن هذه الاشياء ممتلكات خاصة وشخصية تماما وحافظت على أشيائي طيلة حياتي حتى مر بي العمر وظهرت مؤخرا في غزة ظاهرة ايجار الملابس والأحذية والاكسسوارات في محلات متخصصة نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي للناس وعدم القدرة على شراء هذه الاشياء والاحتفاظ بها بسبب ارتفاع ثمنها، فالتجار ينتهزون حاجة من ستحتفل بزفافها ويجعلون من ثمن ثوب الزفاف الابيض الأزلي أول كارثة تنتظرها.
وتبارت النساء المتوسطات الحال والفقيرات في اللف على هذه المحلات لاختيار المناسب منها واستئجاره ليوم واحد واعادته في اليوم التالي حيث يتوجه بها أصحاب المحلات للغسيل الجاف ولكنها بعد أن يتم تداولها لمرات قليلة تفقد بريقها ورونقها وتصبح بالية ويتساقط ما بها من زخرفة، ولكن رغم ذلك يستمر الاقبال عليها مع ما تبدو عليه من حالة رثة.
حمدت الله كثيرا أنني لم أخض هذه التجربة بعد، لأن مناسبة سعيدة كحفل زفاف أو خطوبة لم تطرق باب حياتي لأفكر كيف أتدبر لوازمها واحتفظت ابنتاي بأشيائهما حسبما ربتهما حتى ظهرت صديقة وزميلة ابنتي في الجامعة في حياتنا واستطاعت أن تسيطر على ابنتي بحلو كلامها وبخبرتها في عالم الماكياج والملابس وبدأت ابنتي تتعلم منها أصولا جديدة بهذا الشأن، ولكن الكارثة التي حلت هي أن هذه الصديقة بدأت تطلب اشياء ابنتي على سبيل الاعارة وانتقلت خزانة ابنتي بالتدريج إلى خزانة الصديقة وبدأت ترتدي أحذية ابنتي ولا تعيدها إلا بعد أن تصبح بالية، وتستخدم أدوات ماكياجها وعطورها ولا تعيدها إلا بعد أن تصبح عبواتها فارغة، أما الملابس فهي لا تعيدها إلا بعد أن تتمدد وتتسع لأنها أكثر امتلاء من ابنتي، وأصبح مصير هذه الملابس هو الرمي في القمامة.
وجدت جارة أخرى تشكو من تسلط صديقات ابنتها على مقتنيات الابنة الوحيدة وبأنها لا تجد حلا ويثقل لسانها حياء على أن تعترض، وفاض بي الكيل وتشاورت مع جارتي فوجدنا أن الحياء والحرص على مشاعر الآخرين يمنعاننا من الاعتراض حتى عادت صديقة ابنتي بأحد أحذية ابنتي وتمزق تماما ولم يعد صالحا للاستخدام الآدمي.
كتمت غيظي وصحبت الصديقة إلى محل الأحذية واشتريت لها زوجين من الأحذية بلونين مختلفين وقلت في نفسي لعلها تفهم مقصدي وأنني كارهة استعارتها لأحذية ابنتي، وكنت أنظر إلى قدميها وهي تقيس احد الحذاءين فشعرت بالرضا وتوهمت أنني سأرتاح من اقتراضها للأحذية فقد أصبح لديها حذاءان جديدان ستنشغل بهما لمدة طويلة، وربما وصلتها رسالتي من خلال هذا التصرف، وحين كنت أنقد البائع ثمن الحذاءين وأستدير إلى الخلف لأطمئن أنها قد حملتهما... رأيت حقيبة ابنتي تتدلى من كتفها.