عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 14 آب 2022

قيامة كنعان

د. رمزي عودة

لم يقم كنعان فقط في ذلك البرنامج الذي أطلقته المكتبة الوطنية لإحياء النقوش الكنعانية، ولكنه قام في نابلس حيث استشهد إبراهيم النابلسي، وروت دماؤه ثرى جبل النار، وقام في جنين والدهيشة وغزة والخليل. قام كنعان في عيون الأسرى الذين يختزلون الصمت في صدورهم ويُحجبون عن شمس الحرية. قام كنعان في تلك المرأة التي قتلها جنود الاحتلال وهي تسير في شارع الموت في حوسان. قام كنعان من دماء الشهداء وأنجب في أرحام الأمهات الفلسطينيات أطفال الحجارة. كان كنعان إلهاً للحرية ونبياً يدعو الناس إلى تحرير القدس. قام كنعان في أزقة المخيمات وفي صلبان بيت ساحور وفي صلاة الفجر العظيم في نابلس، وفي مدن السلام التي أضحت مدناً للحرب والدمار. قام كنعان في مؤاب وفي عمان ليبرق رسالة الحب والشوق والحنين إلى صور وصيدا ودمشق مؤذنا بالوحدة والتحرير.

لم تكن قيامة كنعان لقباً يختزل النقش في أيقونة المكان وحسرات الزمن. بل كانت قيامة حضارة عظيمة بناها أجدادنا الكنعانيون في يبوس ومجدو وعسقلان وأريحا (أريحو). كان كنعان الفلاح وصار كنعان فلاحا. كان كنعان أيقونة للجمال وصار كنعان رمزاً لعيون النساء الملونة في القدس وبيروت والشام. حارب كنعان العابرين وأصبح كنعان فدائياً يقاتل الاحتلال. كان كنعان وليا لم يُكتشف بعد في نقوش ميشع وسلوان ومجدو، ولكنه غدا ذاتاً لا تدرك إلا في أحلام الشباب وصور البطولة والملاحم ودموع أمهات الشهداء، وأحيانا "زغاريدهن" التي تزف أبناءهن فداءً للوطن. كان كنعان فناً ورقصاً وأهازيج في مدن لم تعرف الحرب إلا في عهد من عبروها ومزقوها ثم ساروا في جنائزها وادعوا أنهم ورثوها. كان كنعان عشقاً أبدياً للأرض وأصبح كنعان إلهاً للأرض والإنسان.

في مدينتي، يمتزج الحب بلون الدماء، وتُقبل عشتار، آلهة الجمال، في كل ليلة على كنائسها ومساجدها، لتبحث عن مكان للعشق تارةً، ومكان للحزن تارةً أخرى. وفي كل ليلة تزورنا عشتار تصلي من أجل الشهداء وتحتضن الأمهات الثكلى وتدعو لنا أن يقوم كنعان ويخلصنا من دنس صهيون.. وقد قام كنعان أخيراً، يمزق أسطورة صهيون فوق أسوار القدس.

في مدينتي، الثوار يجيدون العشق والدفاع عن الحياة. في مدينتي أطفال يحبون الحياة ويكرهون الاحتلال. في مدينتي لا نخشى الموت ونحب الحياة أكثر. في مدينتي كنعان قام في كل الأرواح وفي كل الأشياء. في مدينتي ليس هنالك مكان للصهاينة. هنالك فقط مكان لفلسطين. كنعان يا سادتي لم يمت. كنعان ثورة الثائرين وغضب الشهداء الثلاثة في نابلس، وعين زكريا المتمردة في جلبوع، وعناد غسان في الدهيشة. إنهم جميعا كنعانيون.. إنهم فلسطين.