هديل بطراوي.. فتاة كسرت احتكار الرجال
رام الله- الحياة الجديدة- عبير البرغوثي- في كل يوم نشهد على حكاية حلم وتحد تشق طريقها بإرادة وتصميم لتكسر سكون القبول بالأمر الواقع، فالحياة تفتح أبوابها للمقبلين عليها بعزيمة الوصول لغاياتهم، وتطبق بأنيابها على من يتوسلون المرور دون عناء. فمن قال إن الأحلام والطموح يحددهما النوع الاجتماعي؟!
"رغم دراستي الجامعية لتخصص القانون وعملي لأكثر من عامين مع المؤسسات الدولية بعد تخرجي من جامعة بيرزيت، إلا أن حُلمي بأن أكون من أوائل النساء اللواتي تمكن من الحصول على رخصة قيادة السيارات الكبيرة (تريلا) وقيادتها ظل يشحذ همتي لبلوغ هذا الهدف كلما شقت الشمس طريقها من بين ستائر الظلام، ومع كل يوم جديد كانت خطواتي تقترب من تحقيق هذا الحلم"، بهذه الكلمات بدأت هديل بطراوي (26 عاما) من مدينة رام الله تسرد قصة نجاح لنا، في حوار ذكرنا بأن المرأة الفلسطينية خُلقت لتكون فارسة ورائدة في مختلف الميادين.
حول البدايات، تقول هديل: "الشغف والطموح والتحدي، هذه الكلمات كانت بمثابة الحافز والبوصلة لي منذ الصغر، الجلوس على مقعد القيادة وقيادة شاحنة كان حلم الطفولة بالنسبة لي، هذا كان شغفي وحلمي الذي سعيت لتحقيقه، لدي شغف وحب لقيادة السيارات بشكل عام، كما أنني أملك معرفة واسعة في ميكانيكا السيارات، وأدائها، وهذه ارتبط باهتمامي المتواصل بمتابعة سباقات السيارات دون انقطاع، كما سعيت دائما لجمع المعلومات عن كل ما يخص المركبات، لكن نقطة الأساس في هذا الحلم كانت رؤيتي لوالدي الذي هو بالأساس سائق (تريلا) وتشجيعه لي خاصة حينما كنت صغيرة وأراقبه وأنا طفلة من نافذة المنزل واقول له: لما أكبر رح أسوق تريلا، وعليه وضعت طاقتي وشغفي لتحقيق هذا الحلم، وبدأت بالبحث عن كل المعلومات التي تخص هذا الموضوع".
الطريق طويل بين الحلم وتحقيقه على أرض الواقع، أمور كثيرة تلعب دورا في التأثير الايجابي أو السلبي، ومع مغريات وظروف وتحديات الحياة، قد تتغير الأولويات، لكن في حالة هديل، بقي الإصرار وبقيت العزيمة، تكمل قصتها: "عندما كبرت صممت على تحقيق الحلم بالحصول بداية على رخصة قيادة سيارة خصوصي، ثم رخصة شحن خفيف، ثم رخصة شحن ثقيل، وصولا الى رخصة قيادة (تريلا)، تقريبا العملية أخذت مني قرابة الثماني سنوات لأني لم أكن متواصلة، وعادة ما تحتاج العملية أربع سنوات ونصف السنة، وحصلت على رخصة قيادة الـ (تريلا) من أول مرة".
لا نجاح دون بيئة أسرية واجتماعية حاضنة ومساعدة، فمهما كان الحلم ومهما كانت غاياته، يتطلب الدعم والمساندة وقبل ذلك التفهم من الدائرة القريبة ولاحقا من المجتمع، "وهذا ما سهّل عليّ الطريق رغم خصوصية الهدف والحلم وبعده عن المجالات التي تهتم بها النساء والطالبات في عمري بشكل عام، لقد تلقيت الدعم من جميع أفراد عائلتي خاصة من أبي الذي علمني أولى خطوات المشي حتى أوصلني الى أن أقود (تريلا). أنا تربيت في منزل لا يفرق بين ذكر وأنثى، عائلتي تؤمن بوجود نفس العقل والصفات الذهنية للجنسين، ولم تنظر الى أن قيادة الـ (تريلا) تخص الرجال دون النساء، صراحة لم نكن نتوقع ان يكون هناك صدى كبير وضجة في المجتمع حول قيادتي لـ (التريلا). بالنسبة لي هو حلم وحققته، لكن ما أثار الضجة ان مجتمعنا يصنف قيادة هذا النوع من المركبات حكرا على الرجال"، تقول هديل.
الأقران والزملاء صمام أمان لحياتنا جميعا، والصداقة الجيدة والمتفهمة تعتبر عتبة مهمة للدعم والمساندة، وفي ذلك تقول: "وجدت في دائرة صديقاتي تفهما محفوفا بالمساندة وأنا أشاركهن حلمي ورغبتي هذه، وللمفارقة بات مطلوبا مني تنويع استخدام هذه الناقلة الكبيرة من الشحن لتقديم (لفة وزفة) بـ (التريلا)، لكل واحدة تريد أن تتزوج من صديقاتي، انها إشارة لكسر الصورة النمطية التي تحد من الإبداع والتعبير عن طاقاتنا".
الإرادة.. بوصلة
الطريق لتحقيق أحلامنا ليس مفروشا بالتسهيلات في أحيان كثيرة، بل هي رحلة صعود نحو القمة، وفي تجربتي تقول هديل: "لم تواجهني أية صعوبات على الجانب المتعلق بتعلم القيادة وممارستها، لكن هناك تحديات تواجه سائق (التريلا) على الشارع وهي أن بعض السائقين يريدون مسابقة (التريلا) وتجاوزها، كما أن وجود نقاط عمياء في شاحنة (التريلا)، يضع صعوبات أمام سائقها في كشف الشارع بشكل عام، كما اكتشفت من خلال تجربتي أن السائقين من الرجال بشكل عام ليست لديهم خبرة كافية في مواصفات شاحنة (التريلا)، وكيف تعمل على الطرقات، وهذه أمور تتطلب من السائق الالتزام بالقانون، لأن طبيعة الشاحنة وحجمها والحمولة التي تحملها يفرض عليه الالتزام بالقانون واجراءات السلامة، لأن المخاطرة قد تؤدي لنتائج أخطر بكثير مما يظن البعض".
رغم تقدمنا في فتح مجالات الحياة أمام المرأة الفلسطينية، إلا أن هناك مساحة كبيرة لا تتفهم إقدام المرأة على هذا النوع من القيادة، فتشير هديل لمواجهتها انتقادات وتعليقات تحت عنوان "ماذا ستفعل فتاة برخصة شحن (تريلا)؟"، وتقول: "رغم تأكيدي على أن هذا الأمر هو شغف طفولة وليس للعمل، لكل إنسان حلم أو شغف، وأنا حققت هذا الحلم، وللأسف تعرضت لانتقادات سلبية، وبعض المجتمع ينظر إلى هذا الأمر على أنه ليس من اختصاص المرأة أو أنها غير قادرة على تحقيقه وأنه للرجل فقط، رغم أنني أؤكد هنا أنني لم أدخل هذا المجال من قبيل المنافسة، بل من باب الشغف لا أكثر، ولكن أيضا أؤكد ان المرأة قادرة على قيادة (التريلا) واتخاذها كعمل لكسب الرزق، ويمكن للمرأة أن تحافظ على انوثتها حتى لو قادت التريلا".
هذه هي قصة فتاة حَمَلَها حُلْمها لتقود مركبة ثقيلة بكل المقاييس، ولكنها قصة تقول: لا مستحيل إذا امتلكنا الإرادة والعزم، فكلما كان الحلم كبيرا كلما كانت الجهود وربما التضحيات أكبر لتحقيقه، ليست الغاية كسر القوانين، ولا التعدي على الثقافة والقيم الاجتماعية والوطنية التي نعتز بها، لكن هي مناسبة للتأكيد على وجود حلم في الحياة هو بوصلة مهمة للأجيال، والسعي لتحقيقه بروح ايجابية هي الطريق لكشف الطاقات وشحذ الارادات.
وتختتم هديل حديثها بقولها: "رسالتي لكل الشابات والشباب، اسعوا خلف تحقيق أحلامكم مهما كانت بسيطة، ولا تستسلموا، وإحساسي بانجاز هذا الحلم دفعني للتقدم خطوة للأمام نحو إكمال درجة الماجستير في جامعة نيوهامشاير/ في مجال الملكية والتكنولوجيا".
مواضيع ذات صلة