عاجل

الرئيسية » عناوين الأخبار » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 28 تشرين الأول 2015

"الهبّة" تكشف الارتباك الإعلامي وتُسقط ورقة التوت

رام الله– الحياة الجديدة- محمد مسالمة- أظهر الاعلام المحلي ارتباكاً فوضوياً في تغطية أحداث "الهبة الجماهيرية" التي اشتعلت في بداية تشرين أول الجاري، رفضاً لانتهاكات الاحتلال لحرمة الأماكن المقدسة في مقدمتها المسجد الأقصى، وغلو المستوطنين في ممارساتهم بحق المواطنين.

هذا الارتباك اثار موجة من الاستفهام حول مهنية وسائل الاعلام في معالجتها الاخبارية للأحداث اليومية، ومدى تحرّيها الدقة في المعلومات التي يتم نشرها، وكذلك الموضوعية في سرد الاحداث دون مبالغة أو تهويل أو تضخيم يشكّل خطراً على الأمن الاجتماعي.

الوقوع في المحظور  

العديد من وسائل الاعلام وقعت في المحظور كما أكد وكيل وزارة الاعلام د. محمود خليفة وقال ان التغطية تحتاج الى تنسيق جهود وسائل الاعلام كافة، مشيراً الى ان الاعلام يقع في بعض الاخطاء التي تربك الشارع والرواية الفلسطينية للأحداث.

وأضاف لـ "الحياة الجديدة": بعض وسائل الاعلام وقعت في محظور كبير فيما يتعلق بعدم احترام مشاعر ذوي الشهداء والجرحى،  من خلال تقديم الصورة لحظة علمهم بالخبر وكيف تصرف والد الشهيد وتعرف على جثة ابنه، وهذه القضايا تشكل محظورا؛ لأن المشاعر اهم من السبق الصحفي ان كان ذلك سبقاً صحفياً".

وأوضح أن "الجريمة الاسرائيلية واحدة، ولا يجب الجنوح إلى التهويل غير المقبول لتأجيج المشاعر، والمطلوب نقل الحدث كما هو، لأن التهويل يوقع في الاخطاء على المستوى الداخلي والخارجي، وأرواح المواطنين ثمينة يجب الحفاظ عليها. كما أن الانسياق وراء الشائعات يسبب اشكاليات كثيرة". ويرى خليفة ان المطلوب من الاعلام تقديم الرواية والحقائق بمهنية عالية؛ لأن مركبة تجوب المناطق بمكبر الصوت تؤجج شارعاً كاملاً، فما بالك باذاعة او وسيلة اعلام يصل صوتها الى الجميع؟!".

المعلومة الالكترونية سلاح ذو حدين

وحمّل الاعلامي رياض خميس مدير عام اذاعة الرابعة في الخليل الاعلام المحلي مسؤولية كبيرة في نقل الاحداث بكل دقة وموضوعية والبعد عن التهويل والتضخيم، "كي لا يتأثر الشارع سلباً وكأن الحرب العالمية الثالثة بدأت في المنطقة".

وأشار إلى ان التطور الالكتروني وتبادل المعلومات يشكّل سلاحا ذا حدين على دقة الاخبار ومهنية الصحافة، وبالتالي يتحتم على الاعلام ادارة ماكينته بكل دقّة وحذر حتى لا تكون نتائج التخبط الاعلامي والتهويل عكسية على الشارع الفلسطيني.

ويرى ان الاعلام المحلي لا علاقة له بتأجيج المواجهات المندلعة حالياً في الخليل، وذلك رداً على ما يشاع في الشارع الخليلي هذه الأيام ويتم اختزاله بجملة "حمّيها بتحمى وبردها بتبرد"، مشيراً الى ان الاعلام في الخليل ينقل كافة الاعتداءات التي تنفذها قوات الاحتلال والهجوم الاستيطاني على المواطنين بفعل الاحتكاك المتواصل نتيجة تغلغل الاستيطان في كافة الأماكن وانتشار الحواجز في أغلب الطرقات.

إعلام يرتدي ثوب الفصائل

وفي محاولة للتعرف على دور الاعلام في محافظة الخليل التي تشهد تصاعداً في الاحداث، قال استاذ الاعلام في جامعة الخليل سعيد شاهين ان بعض الاذاعات تثير الرأي العام وتتجاوز دورها، ومنها من يلبس ثوب الفصائل في خطوة خطيرة تعرّي مهنيتها.

ويرى شاهين أن وسائل الاعلام المحلية انخرطت في العمل الوطني وعملت على تعبئة الرأي العام بمقاومة المحتل، الا ان هناك ارتباكا في التغطية يتعلق بمواكبة سرعة الحدث ومحاولة الانفراد بالسبق الصحفي الذي يوقع وسائل الاعلام في الاشكالات المتعلقة بعدم الدقة في نقل المعلومة او ايذاء مشاعر الضحايا والجمهور، أو احياناً تقديم معلومات امنية من خلال اظهار وجوه وكشف هويات المشاركين بالمواجهات النضالية اليومية.

وأضاف لـ "الحياة الجديدة" أن وسائل الاعلام تقع في اخطاء قد تكون كارثية وتشكل خطراً على الامن الاجتماعي الوطني، وأن وسائل الاعلام تحاول التصدي للرواية الاسرائيلية للأحداث التي تقول ان كل فلسطيني هو ارهابي، وبالتالي الجدير بالتغطية تقديم الشهادات الحية الميدانية ونقل الاحداث بحيادية وشفافية بعيداً عن رأي ناقل الخبر.

رواية الاعلام المحلي مغلوطة !

وقال: إن بعض وسائل الاعلام المحلية تركّز على ان الاعدامات الميدانية للمواطنين العزل التي يرتكبها جيش الاحتلال نتيجة لاعمال بطولية، وربما تتمادى بعض الاذاعات في وصف الحدث بالعملية الفدائية التي ربما تبرر اعتداء الاحتلال، وهذا المشهد يقدّم رواية مغلوطة للرأي العام الداخلي والخارجي".

وتابع شاهين: "هناك تأثير على الرأي العام من خلال التغطية التي تتفاوت بين وسيلة اعلام وأخرى، ولا ارغب بالاشارة الى وسائل اعلام بالاسم، لكن لا بد من الارتقاء الى مستوى اعلامي اكثر ذكاء وحنكة في التغطية، وهذا يؤشر الى ان هناك بعض الكوادر الاعلامية بحاجة الى صقل لكي ترقى الى مستوى المهنية والاخلاقية في التعامل مع الحدث"، مشيراً الى ان بعض الشرائح المجتمعية لا تكون راضية عن التغطية التي تصل الى المبالغة والتضخيم للأحداث ما يخلق لديها حالة من الهلع، ويعيق الوصول الى اماكن العمل والسكن.

شهداء مفترضون

قال الصحفي حافظ تلاحمة إن الاعلام في الخليل عمل على تغطية الاعتداءات الاسرائيلية في كافة انحاء المحافظة بشكل شمولي، ولكن هناك بعض وسائل الاعلام ما زالت تثير الرأي العام من خلال الكيفية والكمية في معالجتها للأحداث المتمثلة في المواجهات وعمليات الاعدام التي ينفذها الاحتلال وسقوط الشهداء.

وأضاف تلاحمة في حديث لـ "الحياة الجديدة": بعض الاذاعات تلهث وراء السبق الصحفي في ذكر اسماء الشهداء، وتبين ان هناك من الذين اصيبوا في الاعتداءات لم يرتقوا شهداء، وأعرف اشخاصاً معرفة جيدة تم اعلان اسمائهم على انهم شهداء، وهم في الحقيقة يجلسون بجانبي".

وأشار الى ضرورة تحلي الاعلام المحلي بالدقة والموضوعية، والتروي والتأكد من اسماء الشهداء، والمصابين، وانواع الاعتداءات، واغلاق الطرق والحواجز، واماكن المواجهات، لضمان عدم اثارة المجتمع وتهويل الأحداث، كما شدد على ضرورة استخدام مصادر موثوقة كمراسلين معتمدين او مصادر رسمية، "ليس كل مواطن او مصدر يرسل معلومة للاذاعة او وسيلة الاعلام يتم نشرها، حيث ان تلك المعلومات العشوائية تثير القلق".

ربما يحتاج الاعلام المحلي لاعادة تقييم لدوره، ومراجعة مهنيته، وتقديم رواية اعلامية تحافظ على مشاعر الانسان الفلسطيني، وتعرّي جرائم الاحتلال، كما من المهم الالتزام بأخلاقيات المهنة ورسالتها.