عاجل

الرئيسية » شؤون اسرائيلية »
تاريخ النشر: 20 تشرين الأول 2015

من الرافض للسلام؟!

دمتري شومسكي

يمكن الافتراض أن مقالة البروفيسور ماتي شتينبرغ بعنوان "ما الذي قاله أبو مازن فعليا"، التي جاء فيها أن رئيس السلطة الفلسطينية اعترف بشكل علني بحق "الشعب الاسرائيلي" في تقرير المصير في دولته. كان يمكن الافتراض أنها ستؤدي الى ردود فعل غاضبة تجاه عباس والجناح المعتدل في الحركة الوطنية الفلسطينية. وكل هذا بزعم أن الاعتراف "بالشعب الاسرائيلي" يعني نفي حق تقرير المصير للشعب اليهودي.

مقالة يوسي كوبرفاسر ورسالة الدكتور موشيه شيلا ومقالة البروفيسور شلومو افينري، كلها تعكس الشكوك بأن استخدام عباس مصطلح "الشعب الاسرائيلي" هو الطريقة التي يرفض فيها حق الشعب اليهودية بدولة.

كان يمكن أن تكون هذه الشبهات مبررة لو كان يمكن اثبات أن كلمة "اسرائيلي" هي النقيض لكلمة "يهودي" عند عباس. أي مفهوم يرمز الى تشكل شعب جديد في دولة اسرائيل، الشعب الاسرائيلي المنفصل عن اليهودية واليهود. ويتبنى هذا الموقف مؤيدو الدولة المدنية الاسرائيلية حيث يعتبرون أنه في عهد الصهيونية تشكل شعب جديد كليا، وهو يشمل كل الجماعات الاثنية والدينية لمواطني اسرائيل.

هل هذا ما يعتقده عباس؟

يمكن أن يكون الجواب لا. وخلافا لموقف افينري الذي ينسب لعباس موقفا كهذا، يمكن أن يكون الشيء الاخير الذي يفكر فيه عباس هو الطلب من الفلسطينيين مواطني اسرائيل، الاندماج داخل "شعب اسرائيل". فعندما يتم طرح هذا الموضوع أمام عباس يشدد على أن "عرب اسرائيل" هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومحظور الاضرار بحقوقهم المدنية القومية بسبب أي اتفاق مستقبلي. لذلك من الواضح أن مصطلح "شعب اسرائيل" يعني بالنسبة لعباس "شعب يهود اسرائيل" لأنه لا يشمل في داخله مواطني اسرائيل غير اليهود – المواطنون الفلسطينيون أبناء الديانات المختلفة.

هنا يطرح السؤال: لماذا يرفض في تصريحاته استبدال مصطلح "شعب اسرائيل" بـ "الشعب اليهودي"؟.

الاجابة بسيطة. اذا اعترف عباس والمعتدلون لديه بـ "الدولة القومية للشعب اليهودي"، كما يطلب بنيامين نتنياهو وافينري في مقالته، فسيفسر الامر على أنه اعطاء الشرعية لكل يهود العالم للشراكة في السيادة الاسرائيلية. وهذا أمر لا يستطيع ولا يريد عباس تحمل المسؤولية عنه. وهذا يعني تعميق التمييز والقمع ضد مواطني اسرائيل العرب، الذين سيصبحون أكثر أقلية مع وجود كل يهود العالم، الذين ستصبح دولة اسرائيل "دولتهم القومية".

المفارقة هي أن معظم الاسرائيليين الصهاينة يرفضون إشراك يهود الشتات في تشكيل مستقبل الدولة. افينري مثلا في مقالة له في صحيفة "هآرتس" في 2011 بعنوان "ضرر حقيقي بالسيادة"، أعلن عن معارضة شديدة لاقتراحات رئيس الوكالة اليهودية، نتان شيرانسكي، السماح ليهود الشتات بالمشاركة في حسم الامور التي هي من صلاحيات السلطة الاسرائيلية مثل من يحق له الهجرة الى اسرائيل والسياسة الاسرائيلية حول عملية السلام.

إذاً، اغلبية الاسرائيليين الصهاينة، ومحمود عباس وجماعته المعتدلة، يعترفون بحق السيادة وتقرير المصير في اسرائيل للشعب "الاسرائيلي اليهودي"، ما يسميه الفلسطينيون "الشعب الاسرائيلي"، ويعارضون إشراك كل يهود العالم في السيادة الاسرائيلية، لاسباب مختلفة:

الاسرائيليون يعارضون ذلك لاسباب صهيونية وطنية. فهم غير معنيين باشراك من لا يوجدون هنا ولا يتحملون العبء، في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمواطنين في اسرائيل. الفلسطينيون المعتدلون يعارضون ذلك لاسباب فلسطينية قومية، وهم لا يريدون ازدياد التمييز ضد الفلسطينيين مواطني اسرائيل في أعقاب تعاظم دور يهود الشتات في القرارات الحاسمة في مجال السيادة الاسرائيلية.

نشأت هنا ظاهرا أرضية مشتركة لاتفاق مصيري بين اسرائيل وبين الوطنية الفلسطينية في موضوع الاعتراف المتبادل في حق تقرير المصير الوطني. ولكن ليس كذلك. فللاسرائيليين في عصر نتنياهو لا يكفي اعتراف الفلسطينيين الواضح بحق اليهود الاسرائيليين في تقرير المصير. فهم يطالبون الفلسطينيين بان يتبنوا التعابير واللغة الصهيونية، ليس أقل. يطالبون الفلسطينيين بان يوافقوا على ما ليس ثمة يقين بانهم هم أنفسهم مستعدون لان يوافقوا عليه: ان يكون لملايين اليهود في العالم تأثير أكبر فأكبر على مصير الدولة القومية للشعب اليهودي. كل هذا في الوقت الذي لا يشاركون فيها في تجربتها ومشكوك أن يكونوا سيشاركون فيها في المستقبل.

ألا يشكل تنكيلا لذاته بالشعب الفلسطيني وتضليلا عديم المسؤولية للشعب اليهودي الاسرائيلي؟ من هنا إذًا هو الرافض للسلام؟