عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 11 تشرين الأول 2015

الحطّاب والأفعى

حنان باكير

يحكى أن حطابا كان يعيش قرب غابة كثيفة. يخرج كل صباح لقطع الاشجار، وبيعها حطبا، وكان يحيا عيشة كفاف ومشقة. ذات مرة وعندما همّ بقطع شجرة ضخمة، برزت له افعى كبيرة. قالت له: سأعطيك كل يوم ليرة ذهبية مقابل الابتعاد عن بيتي داخل هذه الشجرة. فرح الحطاب بهذه الاتفاقية. وصار يحضر كل يوم، لأخذ الليرة الذهبية، فتحسنت أوضاعه، وعاش في رغد وهناء.

ذات يوم فكر، بعد ان ضربه الطمع. لماذا لا أقتل الافعى واحصل على الليرات الذهبية دفعة واحدة! توجه مع ابنه الى الغابة. وحين برزت الافعى حاملة الليرة الذهبية، ضربها بفأسه، لم يتمكن منها، لكنه قطع ذنبها، لكنها سرعان ما التفّت على ابن الحطاب، لدغته واختفت داخل جحرها. مات الولد فحزن الحطاب وبكى طيلة اشهر طويلة، صرف خلالها كل ما يملك. فتوجه الى الغابة، وعرض على الافعى العودة الى سابق اتفاقيتهما. رفضت العرض وقالت له: لا انت سوف تنسى دم ابنك ولا انا سأنسى ذيلي المقطوع.

يبدو أن المغتصب لفلسطين، لن يترك مجالا لأي شكل من اشكال التعايش السلمي. لا حل الدولتين، ولا حل دولة واحدة علمانية، لجميع المواطنين، مع الاعتراف بحق اللاجئين بالعودة، رغم ان المدن والقرى التي جُرفت وانمحت عن الخريطة ما زالت ارضا بور غير مسكونة. فتكون الدولة المغتصبة قد فوتت فرصة سلام لن تحلم بها ثانية، تماما كما خرّب الحطاب حياته، وعاد الى شقائه. لم يستوعب المحتل حتى الآن ان الفلسطيني، لن يتخلى عن حقه، رغم القرابين الباهظة، التي يقدمها صبحا ومساء على مذبح الحرية. ولم يستوعب بعد، ان كل جيل فلسطيني جديد، يولد متمسكا بحقه اكثر من جيل ابائه، وانه لم ولن ينسى حقه، مهما غلا الثمن، لأن الذاكرة لديه تورث كما الارض.

وفي رواية عبرية، قرأت مطالعة لها، تتلخص بوجود غابة، يسكنها عجوز مع حفيده. ويقوم على حراستها مجند شاب. كلاهما لا يستسيغ وجود الاخر، الى جواره، ومع ذلك نشأ نوع من التقبل والتفهم بينهما، دون اي حوار أو تواصل. الى ان جاء يوم، ضاق المجند بحياته، فتعاون مع العجوز في إحراق الغابة بأكملها !! فهل كان وسيبقى الحل الشمشوني، عليّ وعلى اعدائي يا رب، هو الحل الأمثل!!

الحملة المسعورة التي يخوضها الاحتلال، في قتل الشباب والاطفال، وحملة التهويد المتسارعة، هل هي نتيجة مخاوف من نهاية محتومة؟ صرح طيار فرنسي، شارك في حرب حزيران 1967، بأنه حلق بطائرته مع اسحق رابين، فوق جميع الاراضي التي احتلت بعد تلك الحرب. ظن الطيار الفرنسي، انه يدخل الفرح الى قلب رابين، الذي بدا ساهما وهو ينظر الى الاراضي المحتلة قائلا: لكني أتساءل، ماذا سيبقى من كل هذا؟!

في ذروة النصر يفكر بالنهاية!

سأستعير بعض الكلمات، من أنا لأقول لكم ما اقول لكم! من أنا، لأعظ في شعبي الصامد والصابر؟ من انا حتى لا اخجل من الحديث مع أم دفعت شبابها واطفالها، قربانا لصمودها؟ ومع ذلك اقول لكم: لا بديل عن البقاء في الوطن الا البقاء في الوطن.. ولا ذل اللجوء!