بوصلة صديقي مروان
محمد علي طه
كلّما التقيت صديقي مروان السّفيانيّ في مقهى في حيّ الألمانيّة بحيفا، أو في حفلة زفاف في قاعة جليليّة مكيّفة، أو في جنازة صديق أو قريب وضعتُ ضمّادات مثلّجة على أعصابي كي ألتزم الصّمت ولا أناقشه أو أجادله فأنا لا أرغب بأن يزعل منّي وأخسر صديقا صدوقا بيني وبينه "عشرة عمر"و"عيش وملح".
أعرفه منذ أربعين عاما حينما درسنا في الجامعة معا، واصطدمنا باليمين المتطّرف معا، وقدنا التظاهرات ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ معا، وأيّدنا ثوّار الفيتكونغ معا، وحملنا صور أبي عمّار في المسيرات والمهرجانات في النّاصرة وأم الفحم وسخنين معا، وعلّقنا على جدران غرفتنا المشتركة في نزل الطلاب صور كاسترو وعبد النّاصر وجيفارا ومنديلا وفيروز وبرخت والشّيخ امام والرّفاق ماركس وانجلز ولينين، وبعض الممثلات اليساريّات الجميلات.
تناقشنا فيما مضى بهدوء واتفقنا كثيرا واختلفنا قليلا. وأؤكّد على أنّ اختلاف الرّأي حول اتفاق اوسلو وانتفاضة الاقصى لم يُفسد الودّ الذي ربطنا معا، والذي بنيناه مدماكا فوق مدماك في عقود العمر الستة. وأمّا في السّنة الأخيرة فيبدو أنّ قطّا أسود جرى بيننا وأنّ مروان تغيّر، أو أنّني تغيّرتُ، أو أنّ الدّنيا تغيّرت، أو أن الثلاثة تغيّروا وتبدّلوا فهذا الوقت ابن كلب وهذه التّغيّرات في "بلاد العرب أوطاني" سريعة وعاصفة ومعقّدة جعلت الامور مثل السّلطة في مطاعم الشّمال فيها الاعشاب والبقول والخضار والفواكه والفلفل الحارّ والجبنة البيضاء والبلغاريّة وفواكه البحر والدّيدان والجراثيم، فكثر النّقاش وزاد الخلاف وعلا التّراشق بالتّهم بين الاصدقاء.
يقول لي، لا فضّ فوه، صديقك رفعت السّعيد "سحل" وصار رفعت الحزين، ورفيقك ميشيل كيلو قفز فإذا هو ميشيل أونصة، وصاحبك جورج صبرّا صار جورج داعش، والحزب الشّيوعيّ العراقيّ باع المطرقة والمنجل حينما تعاون مع المحتلّ الأميركانيّ ضدّ صدّام حسين، وأما الحزب الشّيوعيّ السوريّ فقد تمزّق رفاقه بين دمشق واسطنبول وباريس ولندن وواشنطن.أقول له: يا أخي مروان قال أجدادنا: من يأكل العصيّ ليس كمن يعدّها، ومن يديه في النّار ليس كالذي لديه في الماء، وأهل مكة أدرى بشعابها.
يصرّ صديقي مروان على أنّ ما يقوله هو الحقيقة وعندما أقول له إن لا أحد يملك الحقيقة يغضب ويلعن أميركا ويشتم الصّهيونيّة ويسبّ أخت الرّجعيّة فألعن سنسفيل أهلهنّ جميعا.
يسألني من الأفضل للعراق وشعبه، هذه الفوضى وهذه الطّائفيّة وداعش والأميركان أم صدّام حسين؟
وأجيبه بما أجاب شيخ الكتُّاب, أمّ التوءمين: شهاب الدين ونور الدّين حينما سألته من الأفضل منهما في حفظ القرآن الكريم يا شيخ؟
ويسألني هل أنت مع نظام الممانعة في سوريا الحبيبة أم مع أولاد أميركا وفرنسا وتركيا وقطر والقاعدة وداعش والنّصرة واسرائيل؟
وأردّ بهدوء: أنا مع الشّعب السّوريّ، مع الجياع والجرحى والذين دون بيوت، مع أهل دمشق وحلب وادلب وتدمر ودرعا والسّويداء وجسر الشّاغور ومخيم اليرموك، أنا مع الأطفال الخائفين من براميل البارود وبلطات داعش وسكاكين النّصرة، أنا مع عشّاق الحريّة والديمقراطيّة والحياة.
ويتشعّب النّقاش ويصل الى السّاحة الحمراء فيدافع مروان بقوّة عن موسكو ومواقفها فأقول له: على رسلك، روسيا ليست الاتّحاد السّوفييتيّ وخواجة بوتين ليس تفاريش لينين وموسكو ما عادت حمراء. ويردّ مروان بأسى: خسارة خسارة لقد ضيّعت البوصلة يا رفيق.
وأعترف بأنّه أفحمني فقد أيقنت أنّ مروان وحده من يملك الحقيقة والبوصلة ولا بوصلة الا بوصلة مروان. اللهم اهدني فيمن هديت وأرني الحقّ حقا فلا رأي لمن أضاع البوصلة.
يا بوصلة...يا بوصلة...يا بوي...!!!