يدمرونه لأنه بطيخ فلسطيني
عزت ضراغمة
تبتهج النفس كثيرا وتأخذ الابتسامات وعلامات الفرح طريقها لوجه الزائر كلما تقدم شرقا في الطريق الى سهل البقيعة, هذا السهل الذي بات ينتج موسم البطيخ والشمام والبطاطا بغالبيته في الضفة الغربية, كما بات مصدر قلق وتهديد للمنتجات الاسرائيلية المماثلة التي فقدت موظئ قدم لها, والمفرح المحزن ان مئات الدونمات المزروعة بمختلف انواع الخضار لاسيما البطيخ والشمام والجزر بات محل استهداف لجيش الاحتلال ومستوطنيه, حتى ان ثمار البطيخ كلما اينعت وكبر حجمها واحمر باطنها اكثر وحان موعد قطافها اثارت الرعب في صدور المستوطنين وجنود الاحتلال الذين يرون بهذا المنتج عدوا اضافيا لكل ما هو فلسطيني.
مر المستوطنون من هناك, علما انهم على مرمى حجر من المزارع الفلسطينية التي نجت ارضها من المصادرة والسرقة, توقفوا وهم يصوبون فوهات بنادقهم باتجاهات كرات البطيخ المسبحة بحمد الله, وكلما اصاب احدهم بطيخة ضحكوا وانتقلوا للتصويب باتجاه اخرى, لم يكتفوا بما فعلوه حتى ارخوا العنان لمقود سياراتهم في حقل شمام ومنه الى حقل جزر, وقبل ان تغادرنا شمس ذلك اليوم وتغيب مخلفة الحزن والالم في صدري انصرف اعداء البطيخ والشمام وكل ما يمد الفلسطيني باوردة وشرايين الحياة, حكاية ذلك اليوم رواها ابو ماجد وهو يقدم لنا هدايا البطيخ.
في بداية الموسم كان جيش الاحتلال والمستوطنون يتربصون ويراقبون المزارعين في سهل البقيعة وعاطوف, وقبل حلول الليل او معه تبدأ ساعة الصفر بالهجوم وتدمير انابيب وخطوط المياه, ومن يحالفه الحظ من المزارعين ينجو بمركبته او بآلياته التي غالبا ما يتم احتجازها لفترات طويلة في حال لم يتم مصادرتها, لكن اصرار المزارعين وايمانهم بحقهم في استثمار وزراعة اراضيهم هو الماء الذي ترتوي منه المزروعات والثمار التي تكبر وتنضج مع العزيمة على التحدي والعطاء.
ان الزائر او المواطن الذي ما ان يدخل احدى بوابتي سهل البقيعة غربا اما من جهة بلدة طمون او مدينة طوباس, يتخيل له انه في مدن زراعية صناعية في آن واحد, فهناك مئات الدونمات التي تتشكل منها الدفيئات الزراعية الانتاجية بمختلف انواع الخضار والحمضيات والثمار, وهناك تجد كل فرد في العائلة منتجا وعاملا وله دور في العطاء, بدءا من رب الاسرة وانتهاء بالاطفال الذين يقتصر عملهم على المساعدة في قطف الثمار او مراقبة الري, ما يعني توثيق عرى التعاون ليس فقط بين افراد الاسر والعائلات بل تراب هذا الوطن وحراسه الامناء.
وفي سهل البقيعة شرقا وصولا الى الشارع الاستيطاني الرئيس تجد ما يغم البال, عندما تنظر الى اراضي الفلسطينيين المصادرة والمسروقة وعشرات العمال واغلبهم من ابناء واصحاب هذه الارض يعملون في ارضهم اجراء, لا بل ان احدا منهم لا يمكنه تناول خصلة من العنب الذي تنتجه ارضه, ومع ذلك يتجمع المستوطنون وبالقرب منهم عدد من جنود الاحتلال وهم يحملقون نظرهم باتجاه المزارعين الفلسطينيين متوعدينهم بسرقة المزيد من اراضيهم وتدمير ابارهم المائية وثمار مزارعهم والطرق المؤدية اليها.
ان حجم وخطورة الاستهداف والاستعداء الاحتلالي لم ولن تقتصر على المنتج الزراعي الفلسطيني, بل بلغ ذروته حين قامت هيئات السياحة والصحة والمياه الاسرائيلية بسرقة مياه منطقة المالح العلاجية التي كان يؤمها الاف المواطنين للاستشفاء والعلاج الطبيعي كل عام, ما يعني ان الكنيسة المسيحية اللاتينية مطالبة بالتحرك الجدي كونها الجهة المالكة لهذه المنطقة لحمايتها ومنع تسرب مياه الينابيع فيها.