بقعة ضوء
حنان باكير
أعترف اني لم اكن يوما من متابعي المسلسلات التلفزيونية. لكني أضطر لمشاهدة بعض الحلقات خلال سفري، حيث ان الجميع في بيروت قد أدمنوا متابعتها. يزورك الاصدقاء ويستأذنوك لمشاهدة مسلسلاتهم في مواقيتها، وكذلك الأمر حين تزورهم. جارتي روز، فاجأتني بزيادة واضحة في وزنها. قالت: هذه "سبعة كيلو مكسيكي زيادة، فالامر يتطلب المكسرات والآيس كريم والبشار، أمام التلفاز". والآن تربعت المسلسلات التركية على عرش المنافسة! ما يهمني هو المسلسلات وبعض الافلام العربية، التي لم تعد تستهويني بعد انقراض فن الزمن الجميل رغم براءتها.
في فترة غير بعيدة، أذهلني التراجع في أناقة الفنانات. وطريقة لباسهن. وعدم مراعاتهن لما يليق او لا يليق بأجسادهن، ودرجة امتلائها، مع الميل الى ارتداء الجلبيات والملابس الشعبية، بشكل ظاهر. ليس انتقاصا من ذلك النوع من الملابس والذي ارتبط بكلمات ومصطلحات دينية معينة، ما يخيل لك بأن المجتمع هو من لون ديني واحد، الا ما ندر في القليل من الافلام، التي تشير الى وجود طيف ديني آخر. واستشعرت بوجود ميل الى أسلمة ناعمة للمجتمع. وصبغة بلون واحد.
بعض مراسلي الفضائيات، والقنوات الأرضية ايضا، لا يجيدون نطق اسماء الناس، من ديانة مختلفة بشكل جيد، وكأنها اسماء من ثقافات غريبة، وليست اسماء فئة من نسيج المجتمع ذاته، يعيشون الى جانبهم.. فهل تغرب هؤلاء، حتى عن أبناء وطنهم؟
ما دفعني لابداء هذه الملاحظة، هو مشاهدتي لبعض حلقات من مسلسل " علاقات خاصة". لا اريد ممارسة النقد او التقييم للمسلسل. لكن ملاحظتين استوقفتاني في المسلسل. الملاحظة الاولى، انه عمل عربي مشترك. لبناني، سوري ومصري. واحداثه تدور في البلدان الثلاثة. والملاحظة الثانية: ان ابطاله من ديانتين مختلفتين، الاسلام والمسيحية. مع اني لا احب التمييز والتسميات، اذا ما تعلق الامر في الدين. سهام كيوبيد تصيب فتاة مسيحية وشاب مسلم. يغادران بلدهما سورية الى لبنان ويتزوجان. المضايقات العائلية، والتهديد بالقتل ثم الخطف لا يتركهما في هناء. وتنتهي علاقتهما بموت الزوجة اثناء ولادة ابنتها. التي تتربى في حضن جدتها المسلمة. ويبقى المشهد المؤثر، حين تزور الإبنة المسلمة قبر امها في المقبرة المسيحية، وامام صورة امها والصليب.. تقرأ لها الفاتحة ! هناك ايضا شخصيتان من ديانتين مختلفتين، تصيبهما سهام كيوبيد!
اسماء شخصيات المسلسل، تكشف ديانة كل واحد منها، على الأغلب، وهي اسماء لم تأت من كوكب آخر، انه مجتمعنا بفسيفسائه التي تعطيه روعته.
أما لماذا أكتب ما أكتب الآن عن مسلسل لم اشاهد منه الا بضع حلقات متقطعة، فالسبب انه أمدني بلمسة فرح ناعم.. فالمسلسل يعيد بناء الأخوة العربية، كردّ على القطرية القبيحة التي تسللت الى نفوس الكثيرين. والامر الثاني: انه يعكس ويبرز اطياف المجتمع الاخرى، بأسمائها وعاداتها التي لا تختلف، عن بعضها رغم اختلاف الدين!
وتساءلت، هل هذه بقعة ضوء صغيرة، وبداية صحوة عربية، على الاعتراف بالآخر المختلف وتقبله؟ أهي ردة فعل لما نشهده من ردّة دينية غير صحيحة، لا تنتمي الى الدين؟ هل هي صرخة، بأن الدين لله والوطن للجميع؟ يبقى لي تساؤل: هل سيوافق رئيس التحرير على نشر هذه التغريدة؟!