عاجل

الرئيسية » اقتصاد » الاكثر قراءة » تقارير خاصة » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 21 شباط 2016

​"التنزيلات" موسم لإغراء الزبون بـ"الحيلة"

حياة وسوق - ميساء بشارات

تتصدر واجهات معظم المحال التجارية في مدينة رام الله، وغيرها من مدن الضفة، لافتات براقة تشير إلى وجود حملة "تنزيلات" على البضاعة المعروضة، ويتفنن التجار فيما يكتبونه على هذه اللافتات، لجذب نظر الزبائن واغرائهم بالشراء.

وتبرز هذه الظاهرة في نهاية المواسم خاصة الشتاء والصيف، وتحديدا لدى قطاعي الالبسة والأحذية.

"حياة وسوق" استطلع آراء التجار والمواطنين حول هذه "التنزيلات"، فكان التباين واضحا، بين مصدق ومكذب لها، فيما أكدت الجهات الرسمية المعنية أن لا قوانين ولا ضوابط تنظم حملات التنزيلات، والكثير منها تبين أنها "حملات وهمية" غير حقيقية.

وأكدت الجهات الرسمية أنه يجري العمل على إعداد قانون يضع إجراءات وضوابط لحماية المستهلك، من خلال عرض الأسعار الحقيقية للبضائع حسب فواتير وتحديد نسبة الخصم، بناء على ذلك، ومعاقبة من يقوم بخداع المواطن بتنزيلات وهمية.

"اشتر قطعتين والثالثة مجانا"

ورفعت المحلات شعارات كتب عليها: "اشتر اثنين واحصل على الثالثة مجانا، وكل قطعة بـ 50 شيقلا، وتنزيلات حقيقية، واغتنم الفرصة، وعرض خاص، وأي قطعة داخل المحل بـ 50 شيقلا، واشتر ثلاثة واحصل على الرابعة مجانا".

وازدحمت الأسواق بالشابات والشباب الذين يريدون استغلال الفرصة وشراء ما يلزمهم بنصف السعر.

وتنتظر الشابة هيام عبد الرزاق، هذه العروض والتنزيلات الموسمية، بفارغ الصبر كل عام، لشراء ما يلزمها من الملابس والأحذية.

تقول عبد الرازق التي تدرس في جامعة بيرزيت، ان الوضع الاقتصادي لا يسمح بشراء حذاء يفوق سعره الـ 200 شيقل، لذلك انتظر موسم التنزيلات لشراء ما يلزمني.

وتوضح بعد ان اختارت احد الاحذية المعروضة في مجمع البيرة التجاري، ان موسم التنزيلات يعد فرصة جيدة للشراء بأسعار أقل.

وتتابع عبد الرازق: "لا استطيع مقاومة كلمة تنزيلات، لذلك اقبل ايضا على شراء ما لا يلزمني، فعندما اعلم انه يوجد تنزيلات في احد المحلات اصر على زيارته، والشراء منه حتى لو لم اكن بحاجة لهذه الأشياء في هذا الوقت، فقد احتاجها في وقت اخر، لذلك احب ان اشتريها".

بينما ترى الشابة آلاء راضي من مدينة رام الله أن التنزيلات وهم ليس الا، خاصة انها اعتادت السفر والتسوق من الأسواق العالمية، وتعرف المعنى الحقيقي للتنزيلات في الخارج وتقارنها بأسلوب التنزيلات هنا.

تقول راضي: "على سبيل المثال في رام الله يكون سعر المنتج 150 شيقلا في بداية عرضه وفي اوقات التنزيلات تكون 100 شيقل علما ان سعر القطعة الحقيقي يجب ألا يتجاوز الـ 50 شيقلا خاصة مع النوعية السيئة للمنتج مقارنة بالمنتجات العالمية الاخرى".

وترى راضي ان التجار يعرضون التنزيلات على الأسعار عندما يريدون التخلص من بضاعة معينة كاسدة، يكون موديلها اوشك على الانتهاء، خوفا من تخزينها في المخازن.

وتشير راضي إلى أن موعد التنزيلات الذي يقوم به التجار غير مناسب في كثير من الأحيان، فهو يأتي متأخرا ولا يستفيد منه المستهلك، نظرا لانتهاء الموسم.

وتوضح راضي ان التجار يمارسون تلاعبا في نسب التنزيلات، ومدى خفضها، فهم يعرضون البضائع بأسعار عالية بداية الموسم، من أجل ان يخفضوا السعر الى النصف دون خسارتهم في آخر الموسم.

وتوافق الشابة نجوى مصطفى من مخيم الجلزون، راضي رأيها "التنزيلات خدعة موسمية، فالسعر الذي يكتب بالتنزيلات هو السعر الحقيقي، بينما السعر القديم هو زيادة وهمية، وان ما يتم العرض عليه هي بضاعة رديئة يريد التاجر التخلص منها".

وتضيف مصطفى بعد أن سألت عن الاسعار في احدى محال الاحذية في رام الله، ورفضت الشراء لانها ترى ان هذه التنزيلات غير حقيقية، ان التاجر يمارس خدعة على المستهلك من اجل اغرائه للدخول الى المحل من ثم توريطه في الشراء.

وترى مصطفى ان التنزيلات تشمل بعض البضائع غير الجيدة، ولا يوجد منها مقاسات مختلفة وليس عليها طلب او لم تحظ بالبيع، لالوانها المختلفة او لاحجامها غير المناسبة، فالتاجر يكون هو الرابح الأول والأخير.

وتقول ان هذه اليافطات هي حيل من أجل اغراء الزبون، لأن التاجر لا يمكن ان يعرض نفسه للخسارة.

وتشير الى ان التاجر يريد التخلص من البضاعة لذلك يقوم بعمل تنزيلات وعروض عليها، ولأن هذه البضاعة لم تلق من يشتريها في مواسمها.

وتعتبر ان التنزيلات خدعة تجارية لأن الأسعار التي تكتب على واجهات المحال تهدف الى السيطرة على عقول المستهلكين، وجذبهم للشراء.

عدة عوامل تحدد طبيعة التنزيلات

ويقول التاجر حربي اصلان صاحب متجر احذية، إن ما يحدد موعد التنزيلات وطبيعتها ونسبتها هو الوضع الاقتصادي العام، اضافة الى الوضع الاقتصادي للتاجر نفسه والتزاماته، كذلك حالة الطقس ووضع البضاعة في السوق.

ويضيف أصلان ان التزامات التاجر تجعله يبكر في بعض الأحيان من موسم التنزيلات وتقديم العروض على بضاعته، وذلك يكون على حساب ربحه، بهدف التخلص من البضائع الموجودة لديه، وعدم تخزينها في المخازن للسنة القادمة، والذي يكلفه كثيرا.

ويؤكد اصلان ان تخزين البضاعة يسبب الخسارة للتاجر، لذلك يلجأ التجار الى تفريغ مخازنهم استعدادا لبضائع الموسم المقبل.

ويشير أصلان الى انه عند الاعلان عن التنزيلات يتحرك السوق ويكسر الجمود، فالناس تقبل على البضاعة بشكل جيد، مستغلين فرصة تخفيضها سعرها، وشرائها بنصف ثمنها.

ونوه اصلان إلى أن التنزيلات بدأت هذا الموسم مبكرا في السوق بسبب الوضع الاقتصادي السيئ للناس، وما تشهده الأسواق من ركود.

ويراعي التجار، حسب قول احمد العدرى صاحب شركة ملابس، حالة الناس ووضعهم، ولذلك يقومون بعمل التنزيلات الكبيرة على البضائع، وخاصة انه يتم البيع من المورد الى المستهلك مباشرة.

ويشير العدرى الى ان التنزيلات في الاسعار تخلق حالة غيرة ونفورا بين التجار، فلا يوجد من ينظمها من حيث نسبة التخفيض وبداية موسم التخفيضات، فعندما يعلن تاجر عن التنزيلات قبل غيره، يكون قد تسبب بضرر للآخرين.

ويؤكد العدرى ان عدم تنظيم العروض والتنزيلات وغياب الرقابة، يخلق نظام المضاربات بين التجار، ما يؤثر عليهم سلبا.

ويوضح العدرى انه في بعض المرات لا يوجد طلب على بضاعة معينة، اضافة الى وجود ضعف في القدرة الشرائية عند الزبائن، لذلك يقوم التاجر بعمل عروض عليها من اجل التخلص منها، وسداد التزاماته.

ويقول العدرى ان التنزيلات هي تنزيلات حقيقية، من السعر الاصلي للبضاعة، ويكون اقبال الناس عليها كبيرا، ويتم تحديدها بناء على انتهاء موسم الشتوي والتحضير للموسم الصيفي.

ويضيف ان التنزيلات جاءت لجذب الزبائن وبيع البضائع الشتوية المتبقية بالمحل، من اجل عدم تخزينها بعد انتهاء موسم الشتاء، والاستعداد لجلب بضاعة صيفية.

غياب ضوابط التنزيلات

ويقول مدير جمعية حماية المستهلك صلاح هنية: "ان التنزيلات والمضاربات التي تجري على المواد والبضائع، حقيقية وتؤثر على خفض الاسعار في السوق لمدة طويلة"، وتمنى هنية ان تعم هذه التنزيلات كافة السلع التجارية وفي كافة محافظات الوطن.

ويشير صلاح الى انه ما زال هناك غياب تنفيذي لنظام التنزيلات والتخفيضات من خلال الالتزام بتسجيل السعر الاصلي والسعر بعد التخفيض. وان هناك جهدا تشاركيا يبذل اليوم باتجاه تعديل قانون حماية المستهلك، ليصبح مواكبا لجميع هذه المتطلبات والخدمات والعقوبات.

ويشير هنية الى ان التنزيلات التي تجري على الملابس والاحذية تأخذ بعين الاعتبار بلد المنشأ والجودة، موضحا انه يوجد عدم ثقة بين المستهلك والتاجر بالاسعار، خاصة انه لا يعرف قيمتها الحقيقية، وسعر البيع الاصلي، وان بيانات الجمركية تفيد بان اسعار المستورد قليلة، لكن عند البيع تكون الاسعار مرتفعة جدا. وينوه هنية، الى ان التنزيلات في فلسطين غير مغرية كباقي الدول المجاورة.

"لا يمكن التحقق من صدق التنزيلات"

من جانبه، يقول مدير عام السياسات الاقتصادية في وزارة الاقتصاد، عزمي عبد الرحمن،  ان التنزيلات التي يتم الاعلان عنها من قبل التجار لا تعرف مدى حقيقتها وصدقها فبعضها يكون حقيقيا وبعضها وهميا، وعدم الدقة تعود الى عدم وجود ضوابط وقوانين لتنظيم السوق، ولذلك رأت وزارة الاقتصاد انه يجب تنظيمها بقانون وقواعد معينة لضبط السوق وحماية المستهلك.

ويضيف عبد الرحمن انه تم مؤخرا تشكيل لجنة وطنية لتنظيم السوق تبحث حاليا قانون حماية المستهلك والتعديلات الواجب عملها على القانون لتنظيم السوق وضبطه، ومنها تنظيم حملات العروض والتنزيلات.

 

مشروع قانون لضبط التنزيلات

ويقول عبد الرحمن إنه حسب القانون الذي يتم بحثه حاليا سيتم اتخاذ مجموعة اجراءات ضابطة بحيث لا يجوز عمل تنزيلات دون الرجوع الى النظام والجهة المختصة،  وستتم مراعاة السعر الحقيقي للبضائع عند اعلان التنزيلات والعروض.

وعن وقت التنزيلات، يقول عبد الرحمن ان التنزيلات لا يوجد لها وقت معين، وسنعمل على وضع ضوابط لها وقواعد يجب اتخاذها قبل الاعلان عن التنزيلات، مثل تقديم طلب عن رغبة التاجر في اجراء التنزيلات على بضاعته، والافصاح عن نسبة التنزيلات بناء على الفاتورة الحقيقية وليس بناء على السعر الوهمي، من اجل تشويق واغراء المستهلك، وذلك لتنظيم السوق الداخلي وضمان حماية المستهلك.

ويؤكد عبد الرحمن ان الجهات الوطنية القانونية ستعكس على وضع الامور القانونية التي تضمن عدم غش المواطن وخداعه من خلال وضع نظام للتنزيلات.

بدوره، يقول مدير وحدة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، ابراهيم القاضي، انه حتى هذه اللحظة لا يوجد اي نظام يضبط موضوع التنزيلات والعروض، لكن قريبا سيكون هناك ما يضبطه، فحاليا يتم العمل على تعديل قانون حماية المستهلك وتغطية هذه الثغرات وايجاد نظام يحمي المستهلك.

ويوضح القاضي انه سيكون قريبا نظام خاص فقط بالتنزيلات والعروض، يوضح آلية عملها وتسجيلها وترخيصها والرقابة عليها، مشيرا الى انه لم يكن في فلسطين بنية تشريعية يمكن الرجوع لها، اضافة الى وجود قصور في التشريعات والقوانين المعمول فيها حاليا، ولذلك تعمل وزارة الاقتصاد مع الجهات المختصة القانونية والحكومية والخاصة بحيث تتم حماية المستهلك وضبط السوق وتنظيمه.

وزارة الاقتصاد: معظم التنزيلات وهمية

ويذكر القاضي ان وزارة الاقتصاد قد اثبتت ان معظم التنزيلات هي وهمية غير حقيقة، وعند اثبات ذلك يتم اجبار صاحب المحل على ازالة هذا الاعلان المضلل للمستهلك.

وحسب القانون الجديد فإن أي تاجر أو صاحب محل يعمل على تضليل المستهلك سيتم العمل على تجريمه، ودفع غرامة مالية، والتشهير به.

ويذكر القاضي ان موسم التنزيلات في الدول المجاورة يكون مثبت ويكون هناك سبب له، وفترة معينة، ويتم الافصاح فيه عن الاسعار القديمة ورأس المال.