عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 03 شباط 2016

المشكلة في الكزبرة

د. أسامة الفرا

لم تتمكن الكزبرة من الانعتاق من تهمة الانتماء إلى المواد الثنائية الاستخدام، تلك التهمة التي جعلتها تنضم إلى قائمة المواد الممنوع دخولها إلى قطاع غزة منذ عام 2010، أصدرت جمعية "جيشاه_ مسلك" الاسرائيلية معلومات مفصلة حول التقييدات الاسرائيلية على دخول "مواد ثنائية الاستخدام" الى قطاع غزة وتأثير ذلك على حياة سكان قطاع غزة، وأوضحت الجمعية المعنية بالدفاع عن حرية التنقل في تقريرها الأخير أن الكزبرة ما زالت ضمن قائمة الممنوعات، جرت العادة أن الدول تمنع دخول المواد إما لما تحمله من تهديد لأمنها القومي، أو لما يمكن أن تسببه من ضرر صحي، أو تلك المتعلقة بنشر الفساد الأخلاقي، وكون العلم لم يثبت قديمه وحديثه احتواء الكزبرة على مواد مسكرة لها القدرة على تغييب العقل، وفي الوقت ذاته اكتشفت فوائدها الصحية منذ القدم، حيث جاء ذكر ذلك في البرديات الفرعونية وعرج ابن سينا وابن البيطار وابقراط على البعض من فوائدها، وحمل سفر الخروج من التوراة الشيء ذاته، بالتالي منع الكزبرة من الوصول إلى قطاع غزة لا يمكن تبريره سوى أنها تحمل تهديداً للأمن القومي لدولة الاحتلال.

الحقيقة أن حكومة الاحتلال اخطأت حين وضعت الكزبرة من ضمن المواد "ثنائية الاستخدام"، ولا شك أن الخطأ الذي وقعت به له ما يبرره كونها تجهل حقيقة استخدامها، لا سيما أن الكزبرة حالها كحال باقي التوابل من المواد "متعددة الاستخدام"، تحشر أنفها في العديد من المأكولات لتضفي عليها نكهتها الخاصة، فلا يمكن للفلافل أن تحافظ على قيمتها إن تخلت عن الكزبرة، ومؤكد أن دولة الاحتلال التي تعكف منذ سنوات على سرقة كل ما له علاقة بالتراث الفلسطيني تدرك هذه الحقيقة، فهل يعني ذلك أن ادراج الكزبرة على القوائم السوداء يأتي ضمن فلسفة الهيمنة التي تحكم العقلية الاسرائيلية، والتي تحاول من خلالها السيطرة حتى على قرص الفلافل؟ لم توضح لنا حكومة الاحتلال إن كان المنع يتعلق بثمار الكزبرة فقط أم يتمدد ليشمل النبات العشبي ذاته، لا سيما أن توسيع دائرة الحظر ليشمل النبات العشبي سيدخل حكومة الاحتلال في متاهة تتطلب منها تدريب كوادرها على التمييز بين نبات الكزبرة ونبات البقدونس، لا سيما أن التشابه بينهما يصل بدرجاته إلى التشابه بين الصيني الكوري.

لا يمكن لحكومة الاحتلال أن تشطح بعيداً وتقنع العالم بأن الكزبرة تدخل في صناعة الصواريخ، إلا إذا كان يؤرقها أن تصل إليها صواريخ بنكهة كزبرية، على اعتبار أن رائحة الكزبرة تسبب ضيقاً في الشعب الهوائية للمجتمع الاسرائيلي، وإن فعلت ذلك عليها أن تضع توت عنخ أمون على قائمة الارهاب، وإلا كيف يمكن لها أن تتغاضى عن سلتين من ثمار الكزبرة تركها الفراعنة في قبره؟ الا يشكل ذلك دليلاً ساطعا حول النية المبيتة لتوت عنخ امون بأن يجعل من قبره "بعد أن يصحو من موته" مفاعلاً كزبرياً يشكل تهديداً لأمن دولة الاحتلال؟

مؤخراً ضمن سياسة التسهيلات التي اعتمدتها حكومة الاحتلال تجاه قطاع غزة سمحت بتصدير الأثاث من القطاع إلى الضفة، جاء ذلك مرافقاً لقرارها بوضع الخشب ضمن المواد "ثنائية الاستخدام" الممنوعة من المرور إلى غزة، الواضح أن حكومة الاحتلال ابتدعت فكرة "ثنائية الاستخدام" لتنفذ من خلالها إلى تشديد الخناق على قطاع غزة، وبذات الفكرة تحاول أن تنفذ الى المسجد الأقصى تحت عنوان التقسيم الزماني والمكاني، طالما بقي الانقسام الفلسطيني ستبقى دولة الاحتلال تتعامل معنا على قاعدة أن المشكلة في الكزبرة.

osgovernor@hotmail.com