فرنسا والمؤتمر الدولي
عمر حلمي الغول
مجددا تعود فرنسا لطرح عقد المؤتمر الدولي للسلام لحل مسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لتخطي حالة الجمود، الناجم عن تعنت ورفض حكومة نتنياهو للالتزام باستحقاق التسوية السياسية. التي جاءت على لسان لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي يوم الجمعة الماضي، الذي أكد انه في حال فشلت الجهود بعقد المؤتمر، فإنها (فرنسا) ستبادر للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
رئيس وزراء إسرائيل لم يرحب بالدعوة الفرنسية، واشار في بيان صادر عن مكتبه، الى ان هكذا دعوة تمنح الفلسطينيين الحق في عدم تقديم اية تنازلات سياسية. وانه على استعداد للعودة للمفاوضات دون شروط مسبقة. كما عقب العديد من وزراء الحكومة اليمينية المتطرفة بين مهاجم فكرة المؤتمر الدولي، وبين غير مرحب، ومتهكم على فابيوس اليهودي الفرنسي. وربط الدعوة بفكرة ساذجة عنوانها، ان الوزير يطمح لتسجيل إسهام لشخصه قبل مغادرة موقعه كرئيس للدبلوماسية الفرنسية. في المقابل رحبت القيادة الفلسطينية ممثلة بشخص الرئيس محمود عباس بالخطوة الفرنسية القديمة الجديدة. لانها تسهم بفتح افق للخروج من حالة الانسداد والاستعصاء الاسرائيلي، وتدفع العملية السياسية قدما للامام.
لكن السؤال هل الحكومة الاسرائيلية جاهزة ومستعدة للانخراط في تسوية سياسية حقيقية؟ وهل الولايات المتحدة تملك الارادة والرغبة في الاشتراك لدفع العملية السياسية للامام، ام انها ما زالت تراوح مكانها، غير قادرة على تجاوز الفيتو الاسرائيلي واللوبيات الاميركية واليهودية الصهيونية في داخل بيتها، وبالتالي الحؤول دون تقدم المبادرة الفرنسية؟ وهل الرئيس اولاند وفابيوس قادران على الحشد الدولي والعربي لانجاح المؤتمر؟ ولماذا يتم ربط عدم عقد المؤتمر بالاعتراف بالدولة؟ بتعبير آخر، لماذا لا يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية المدخل الطبيعي لعقد المؤتمر، كي تأخذ الدعوة وقعها الجدي؟ ولماذا لا تحاول القيادة الفرنسية استثمار جهود دول الاتحاد الاوروبي في تبني دعوتها للمؤتمر، لاعطاء مبادرتها زخما وثقلا مؤثرا في صناع القرار الاسرائيليين والاميركيين؟
النتيجة الجلية أن حكومة نتنياهو المتطرفة، لا ترحب بالدعوة الفرنسية. ولا تريدها، وستعمل بكل الوسائل والسبل بشكل مباشر وغير مباشر لوضع العقبات والعراقيل في طريقها. لانها لا تريد الاصطدام مع فرنسا وثقلها الاوروبي. وكونها تراهن على الادارة الاميركية، مسلوبة الارادة بتعطيل الدعوة الفرنسية. أضف إلى انها تتوقع من دول اوروبية معارضة الخطوة الجديدة. كما انها بذرائع وحجج واهية ستطالب بتقديم القيادة الفلسطينية تنازلات جديدة، مع ان الفلسطينيين قدموا كل التنازلات سلفا، ولا يوجد ما يمكن ان يتنازلوا عنه، لا في حدود الرابع من حزيران 1967، ولا في القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، ولا في التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، ولا في الاعتراف او القبول بالرواية الاسرائيلية، التي تعني شطب كل الحقوق الوطنية والرواية الفلسطينية من جذورها.
لهذا وحتى يكون هناك صدى حقيقي للدعوة الفرنسية، نعتقد انه من الضروري اولا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعدم تضييع الوقت في انتظار الملهاة التسويفية الاسرائيلية؛ ثانيا دعوة دول الاتحاد الاوروبي للاعتراف ايضا بالدولة الفلسطينية، وتبني خيار المؤتمر الدولي؛ ثالثا تطوير سقف العقوبات ضد دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية؛ رابعا عدم الاستسلام للضغوط الاميركية؛ خامسا التنسيق مع الدول العربية، التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية وتجارية وامنية مع إسرائيل لوقف تطبيعها، واستخدام اوراق القوة المتوفرة بيدها للضغط على إسرائيل. عندئذ يمكن للمبادرة الفرنسية حث الخطى نحو المؤتمر الدولي المنشود. فهل ترتقي الدعوة الفرنسية لمستوى التحديات المنتصبة في وجه دعوتها؟ قادم الايام يملك الجواب على كل التساؤلات.
oalghoul@gmail.com