عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 31 كانون الثاني 2016

ماذا وراء رفض السعودية لسياسة أوبك في تخفيض الإنتاج؟

د. خالد زبدة

من المتعارف عليه ضمن بديهيات علم التسويق أن نظرية العرض والطلب هما اللذان يحددان سعر السلعة في الأسواق، ونجد أن الشركات والمؤسسات تقوم بتخفيض كمية الإنتاج عندما تلاحظ أن هناك وفرة في السلع للحفاظ على مستوى معين من الأسعار أو للتقليل من حدة نزول الأسعار، لكن المتتبع لحركة أسعار النفط عالميا منذ عام 2008 حتى اليوم يجد أن أسعار النفط الخام في تراجع مستمر حيث وصل سعر البرميل الخام حين كتابة هذه المقالة الى أدنى مستوى له، وهو أقل من حاجز الأربعين دولارا للبرميل الواحد، والمتتبع للأخبار الاقتصادية يلاحظ كذلك أن منظمة الدول المنتجة للبترول(الأوبك) قد عقدت عدة اجتماعات لمواجهة هذه المشكلة ولكن دون جدوى، لكن اللافت أن أهم وأكبر دولة منتجة للنفط في الشرق الأوسط وهي المملكة العربية السعودية قد رفضت مناشدات أو حتى قرارات الأوبك بتخفيض الإنتاج للمحافظة على الأسعار ومحاولة رفعها مرة أخرى، وتهافت المحللون الاقتصاديون العرب والأجانب على حدٍّ سواء في توضيح أو تحليل الموقف السعودي بهذا الخصوص، فمنهم من أيد خطوة المملكة العربية السعودية في عدم تخفيض الإنتاج، ومنهم من هاجم أو انتقد هذه السياسة أو الإجراء ونعتها بتضييع الفرصة في تحقيق عوائد إضافية من خلال ارتفاع أسعار النفط الذي يعود على خزينة المملكة العربية السعودية بالمليارات.

وسأحاول في هذه المقالة أن أوضح الأمور التي اعتمدت عليها المملكة العربية السعودية في رفضها تخفيض إنتاج النفط بالرغم من انهيار أسعار البترول الخام دون حاجز الأربعين دولارا مما كبد الخزينة عشرات ملايين الدولارات في المدى القصير، ففي 27 نوفمبر(تشرين الثاني) عقد اجتماع لمنظمة الأوبك، وتقدمت كل من الجزائر وفنزويلا باقتراح لتخفيض إنتاج النفط بمعدل 2 مليون برميل يوميا محاولين إقناع وزير البترول السعودي علي النعيمي بذلك، على أن تقوم دول منظمة الأوبك بتخفيض الإنتاج لغاية 1.5 مليون برميل، وأن تقوم روسيا والمكسيك بتخفيض الإنتاج ل 500 ألف برميل الباقية، ولكن الوزير النعيمي رفض هذا الاقتراح، وخصوصا أن معظم الفائض في السوق النفطي هو من حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة.

والمتتبع لأبرز محطات ارتفاع أو هبوط أسعار النفط عالميا يجد أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التذبذب الكبير، وفي عجالة دعونا نستذكر أهم هذه المحطات التي تذبذبت فيها أسعار النفط الخام عالميا وهي كالآتي:

1 - قبل عام 1973 كانت أسعار النفط مستقرة عالميا عند 3.6 دولار للبرميل إذ إنَّ أسعار النفط كانت بأيدي أكبر سبع شركات عالمية سميت بالأخوات السبع (اكسون وموبيل وشيفرون وغلف وتكساكو وشل وبي بي)  وكانت هذه الشركات هي التي تحدد كمية الإنتاج والأسعار إلا أن هذا الاحتكار خفت وطأته عندما قرر المنتجون العرب في الكويت عام 1973 بحظر توريد النفط العربي إلى الولايات المتحدة احتجاجا على دعمها العدوان الإسرائيلي على مصر حيث واصلت الأسعار بالارتفاع حتى وصلت 14 دولارا في عام 1974.

2 - في عام 1979 وأثناء  الثورة الإيرانية انقطع إنتاج إيران من النفط بما يعادل 2 مليون برميل مما أدى الى ارتفاع الأسعار لتصل الى 25 دولارا.

3 - أثناء الحرب الإيرانية العراقية عام 1980 تسببت في انخفاض إنتاج البلدين من النفط من 6.5 مليون برميل يوميا الى مليون برميل يوميا ما أدى الى ارتفاع سعر البرميل إلى 35 دولارا في عام 1980 ومن ثم الى 37 دولارا في عام 1981.

4 - بين الأعوام 1982-1985 وبسبب سوء إدارة منظمة الأوبك وجشعها حيث حاولت جاهدة المحافظة على هذه الأسعار من خلال تخفيض الإنتاج إلا أن البحث عن الحلول البديلة للطاقة والترشيد في استخدام الطاقة أدى إلى انخفاض الأسعار من 35 دولارا عام 1981 الى 32 دولارا في عام 1982، وتواصل الهبوط خلال السنوات ليصل الى 26 دولارا في عام 1985، وسرعان ما انهارت الأسعار مرة أخرى لتصل إلى 14 دولارا عام 1986.

5 - الهبوط الكبير لأسعار النفط عام 1986 كان نتيجة لسياسة المملكة العربية السعودية، ومحاولتها المستمرة الحفاظ على ارتفاع الأسعار، وذلك بتخفيض الإنتاج، بينما كانت معظم دول الأوبك تنتج بأقصى إمكاناتها ما أدى إلى خسارة المملكة العربية السعودية لحصتها السوقية، ما حدا بالمملكة العربية السعودية إلى زيادة إنتاجها وإعطاء تخفيضات لإغراق السوق من أجل استرجاع حصتها السوقية ومحاولة كثير من الدول النفطية تقليدها أدى ذلك إلى هبوط سعر البرميل إلى أقل من 10 دولارات للبرميل الواحد.

6 - فترة الأزمة الآسيوية عام 1997: اتفقت دول الأوبك على رفع إنتاجها، وتزامن هذا مع الاتفاق بين الأمم المتحدة والعراق بما يعرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء، ما أدى إلى انخفاض الأسعار لتصل إلى 10 دولارات مرة أخرى.

7 - في الأعوام 2000- 2008 ازداد الطلب على البترول بصورة جنونية بسبب النمو الكبير في الهند والصين، وهذا الطلب كان مفاجئا حيث لم تكن منظمة الأوبك جاهزة له مما أدى إلى الارتفاع الحاد في الأسعار حيث وصل سعر البرميل إلى 147 دولارا، لكن سرعان ما تقلصت المضاربة، وانخفض الطلب بعد الأزمة العالمية في النصف الثاني من العام 2008 ما ادى إلى انخفاض  الأسعار مرة أخرى إلى ما دون 40 دولارا.

8 - نتيجة تفاقم الأوضاع السياسة والاضطرابات في الوطن العربي فيما يسمى بالربيع العربي في بدايات العام 2011 وانخفاض الإنتاج نتيجة خروج اليمن وليبيا وسوريا من قائمة المصدرين نتيجة الاضطرابات هناك، إذ لم تستطع الأوبك تعويض هذا النقص ما أدى إلى ارتفاعها مرة أخرى لتصل فوق مستوى 100 دولار في نهاية العام. وفي عام 2012 فرضت الولايات المتحدة حظرا على النفط الإيراني ما يعني خروج مليون برميل من النفط من السوق، هذا بالإضافة إلى بقاء الأسعار فوق 100 دولار لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، ودخول مصادر جديدة كالنفط الصخري من الولايات المتحدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، كل هذا أدى إلى هبوط الأسعار إلى ما دون 40 دولارا للبرميل في نهاية 2015 (1).

إذن ما الذي يجعل المملكة العربية السعودية تتمسك برأيها، ولا ترضخ لمحاولات دول منظمة الأوبك لتخفيض إنتاجها من أجل المساعدة في رفع الأسعار مرة أخرى عند الحدود الدنيا المقبولة من قبل الأوبك وهي 60 دولارا؟

يمكن إيجاز هذه الأسباب من وجهة نظر المحللين الاقتصاديين كالآتي:

1 - عند استعراض الأحداث السابقة لأسعار النفط العالمي والسياسة التي اتبعتها المملكة العربية السعودية في معالجة مشاكل انهيار أسعار النفط العالمي، وخصوصا في فترة الثمانينات لوحظ أن المملكة العربية السعودية كانت قد خسرت جزءً كبيرا من حصتها السوقية  وعملائها إلى الأبد لصالح أطراف أخرى مثل الشركات الأميركية التي لا تنتمي إلى منظمة الأوبك عندما كانت تطبق نظرية تخفيض الإنتاج من أجل محاولة رفع الأسعار، لهذا عمدت المملكة العربية السعودية إلى عدم القبول بتخفيض الإنتاج هذه المرة  من أجل استرجاع حصتها السوقية، وإخراج الشركات الأميركية من السوق مثل شركات استخراج النفط الصخري مرتفع التكلفة.(2)

2 - بعكس الشركات الأميركية تمتلك المملكة العربية السعودية احتياطيا نقديا يمكنها من تحمل الخسائر الآنية أو قصيرة الأجل في سبيل تحقيق أهدافها طويلة الأجل، وهي الحفاظ واسترجاع حصتها السوقية، حيث إن الشركات الأميركية لا تمتلك مثل هذا الاحتياطي، وهذا ما حدا بهذه الشركات مثل شركة شل الأميركية الإعلان عن نيتها تسريح 6500 عامل من أجل تخفيض النفقات.(3)

3 - في الأعوام التي حدث فيها انخفاض لأسعار النفط، وعندما كانت المملكة العربية السعودية تدعو الجميع إلى المشاركة في تخفيض الإنتاج من أجل المحافظة على الأسعار كانت بعض الدول لا تستجيب لهذه المناشدات وخصوصا روسيا التي استفادت من النمو المتسارع في الصين من أجل بيع أكبر كميات ممكنة من نفطها، لهذا نجد المملكة العربية السعودية الآن في طور معاقبة روسيا – أن جاز التعبير- حيث دخلت المملكة العربية السعودية السوق البولندي واستحوذت على الحصة السوقية الكبيرة فيه، وهذا ما جعل روسيا تشتكي من المملكة العربية السعودية بأنها تبيع النفط بأسعار أقل من التكلفة.(4)

4 - أما في الجانب السياسي فإن المملكة العربية السعودية ترغب في تحجيم دور إيران في منطقة الشرق الأوسط من خلال التأثير سلبيا على اقتصادها واقتصاد الدول الداعمة لها مثل روسيا.(5)

وفي الختام يبدو أن خطة المملكة العربية السعودية تؤتي ثمارها، وأنها نجحت في تحقيق أهداف الخطة الجديدة التي انتهجها الوزير النعيمي بشهادة المتضررين والمحللين على حد سواء حيث اعترف كل من المدير التنفيذي لشركة شل الأميركية (فان بيردن) وكذلك (دان ديكر)  المحلل في شؤون الطاقة بأن المملكة العربية السعودية قد نجحت خطتها ولو بشكل بطيء في تحقيق أهدافها المرجوة، وكشف تقرير لبنك الاحتياط الاتحادي في مدينة دلاس الأميركية أن تسع شركات نفط وغاز أشهرت إفلاسها في الولايات المتحدة خلال الربع الأخير من العام الحالي مخلفة وراءها ديونا تزيد على ملياري دولار.

ونقلت وكالة "بلومبرج" للأنباء الاقتصادية عن نافي داليوال الباحث المساعد ومارتن سترمور الباحث الاقتصادي القول في مذكرة اقتصادية أن انخفاض أسعار النفط ألقى بأعباء مالية كبيرة على شركات إنتاج النفط والغاز خاصة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بالنسبة إلى كثير منها مقارنة بتكاليف إنتاج شركات النفط والغاز الأجنبية الأخرى، وإذا استمر معدل الإفلاس على المستوى الحالي، فسيشهر مزيد من الشركات إفلاسه خلال 2016.(6)