عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 31 كانون الثاني 2016

عظمة إمرأة أميركية

عمر حلمي الغول

من مفارقات الولايات المتحدة الاميركية، الحليف الاستراتيجي لدولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، التي تحتضن مؤسسة تشريعية وتنفيذية وعسكرية وامنية، تقف جميعها بقضها وقضيضها خلف موبقات إٍسرائيل المارقة والخارجة على القانون، بالاضافة للايباك اليهودي الصهيوني، ومراكز ابحاث وامبراطورية إعلامية مهمتها الاساسية تعميم الرواية الاسرائيلية المزورة والتضليلية، المتناقضة مع الواقع، وتتنافى مع ابسط قواعد المهنية الاعلامية. غير ان بلاد العم سام الواسعة تتسع لأصحاب الضمائر الحية، وتضم في جنباتها مؤسسات وشخصيات في ميادين الحياة المختلفة، تقف إلى جانب قضايا الشعوب العادلة، وتناصر المظلومين، وتتحدى السياسات المتواطئة مع قوى الارهاب والشر في العالم وخاصة مع الدولة العبرية.

من بين تلك المفارقات المميزة، إمرأة حملت راية الكفاح ضد سياسات الادارات الاميركية المتعاقبة منذ العام 1979، عندما نصبت خيمتها البلاستيكية بجوار السور الحديدي للبيت الابيض في واشنطن، حتى امست جزءا من المشهد العام لمقر الرئاسة الاميركية. ومن بين القضايا، التي نادت بالدفاع عنها، وتصويب سياسة القيادات الاميركية تجاهها: القضية الفلسطينية، انتشار الاسلحة النووية، العنف ضد الاطفال ومنع تدمير العالم نفسه.

لم تكن السيدة الجليلة كونسبسيون توماس بحاجة للاضاءة، حيث لم تبحث عن ذلك يوما طيلة ثلاثة عقود خلت من اعتصامها الشجاع امام عرين صانع القرار الاميركي الاول؛ ولا كان ينقصها المال والوضع الاجتماعي اللائق بها، لا سيما انها أقامت خيمتها في اعقاب إنهاء عملها في بورصة نيويورك.  غير انها من واقع إحساسها بمسؤولياتها الاخلاقية والثقافية والسياسية، ونتيجة معرفتها العميقة بابعاد السياسات الخطرة، التي تنتهجها القيادات الاميركية، نذرت نفسها وحياتها للدفاع عن قضايا شعوب الارض كلها، والقت بملذات الدنيا والسكن المناسب خلف ظهرها، وارتضت بخيمة بسيطة ومتواضعة، لتقول خلال ثوان قصيرة جدا لكل من عرج لمعرفة قصتها هدف وجودها، وتعلن بصوت خفيض: لا كبيرة للسياسات الاميركية الفاشلة والمعادية لمصالحها ومصالح العالم وشعوبه على حد سواء.

الاسبوع الماضي شهدت الولايات المتحدة خاصة في العاصمة واشنطن عاصفة ثلجية عاتية، مع ذلك لم تغادر السيدة المبجلة كونشيتا او كوني، كما يناديها معارفها خيمتها، وبقيت فيها، حتى لفظت انفاسها الاخيرة في 25 يناير 2016 في شارع بنسلفانيا 1600 عند تخوم البيت الابيض، وهي تقاتل من اجل السلام والحرية للشعوب وفي طليعتها الشعب الفلسطيني، وإنقاذ البشرية من اسلحة الدمار الشامل بكل عناوينها واسماءها وخاصة النووية منها.

لكن السيدة كونسبسيون لم تمت، لأنها تركت بصمة قوية في السجل المشرف للشعب الاميركي وشعوب الارض قاطبة. ولان الشعوب، التي رفعت من اجلها كوني راية الدفاع عنها، ومنها الشعب الفلسطيني، عليها مسؤولية خاصة في إبقاء مكانتها ورسالتها حاضرة في اوساط العالم او على الاقل في اوساط الشعب الفللسطيني من خلال الآتي: اولا تكريم هذه السيدة بوسام الشجاعة والسلام؛ وثانيا عمل نصب تذكاري لها في اي ميدان من ميادين المدن الفلسطينية؛ ثالثا إطلاق إسمها على شارع او مدرسة؛ رابعا إدراج تجربتها في المنهاج التربوي لتدريس تجربتها الرائدة في مادة التربية للمرحلة الاعدادية. وهذا اقل ما يمكن  تقديمه لسيدة افنت حياتها من اجل السلام وحرية شعوب الارض قاطبة. والباقي عند جهات الاختصاص الفلسطينية. فهل تفعل؟

oalghoul@gmail.com