عاجل

الرئيسية » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 01 حزيران 2023

أرواح نسائية مستباحة.. 57 حالة قتل في 2021 و2022.. 35% انتحار

عنف يقود إليه أو قتل مغلف به..

رام الله- الحياة الجديدة- عبير البرغوثي- ما زالت مؤسساتنا الرسمية والأهلية وحتى الأسر والأفراد في معارك متواصلة للقضاء على التمييز والعنف الواقع على النساء في المجتمع الفلسطيني بكل أشكاله وأنواعه وتعبيراته ومصادره، رغم تعقيدات هذه الظاهرة لخصوصيتها في الواقع الفلسطيني، فهي من جانب تتغذى من عنف الاحتلال وانتهاكاته المستمرة لحقوق الفلسطينيات في مختلف المجالات، وكذلك ترتبط بالتمييز والعنف المجتمعي المستمد من الثقافة الذكورية الأبوية القائمة على الهيمنة الذكورية وإخضاع الفئات المجتمعية الأخرى وخاصة النساء وإبقائها تحت السيطرة والهيمنة من أجل إدامة تحقيق مصالح الفئات المهيمنة. إنها معركة مستمرة في مواجهة ثقافة منتشرة وعابرة للحدود باعتبارها ظاهرة تؤرق مختلف المجتمعات وإن بنسب متفاوتة.

القتل مهما كانت دوافعه هو تعد على حق الفرد في الحياة

تتنوع الدوافع والمبررات خلف كل قضية قتل أو تغليفها بمظاهر الانتحار أو غيره، وكما يرى مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في دراسة خاصة لعام 2023 التي تأتي تحت عنوان "قتل النساء في المجتمع الفلسطيني/ هل تنتحر النساء؟!!"، فإن "قضية قتل أي إنسان إنما هي قضية أخلاقية مجتمعية وحقوقية قانونية، وغير خاضعة لاعتبارات التمييز على أي أساس"، وهكذا تصنيف يعني بالضرورة مواصلة الجهود واستمرار العمل لتسليط الضوء على ظاهرة قتل النساء ووضعها كقضية عامة ومجتمعية على بساط البحث والنقاش المجتمعي، وعلى طاولة صناع القرار وراسمي السياسات، لأنها من القضايا المركزية لضمان أمن وسلامة وقوة المجتمع الفلسطيني.

وترجع الدراسة التي أعدها الباحث نبيل دويكات مسؤول البحث والمناصرة في مركز المرأة  تحول ملابسات حالات القتل للتعديل القانوني الذي ألغى العذر المخفف للقتل على خلفية الشرف وأصبحت تصنف أغلبية الحالات كانتحار أو سقوط من علو أو الضغط على الضحية للانتحار بعد رصد وتسجيل بعض المحاكمات للقتلة وعدم استفادتهم مما كان يسمى "العذر المحل والمخفف" حيث تبين خلال إجراءات المحاكمة سقوط هذا العذر بعد التعديلات التي أجريت على قانون العقوبات وبالتالي لم يعد "القتل على ما خلفية ما يسمى الشرف" مبررا لعقوبة مخففة على قتل النساء.

هل يمكن اعتبار انتحار النساء ظاهرة اجتماعية، هل حالات الانتحار بين النساء في حالة ازدياد؟ يقول دويكات معد الدراسة:  "هذا المفهوم يلفت الانتباه خلال العشر سنوات الأخيرة من رصدنا وتوثيقنا لظاهرة قتل النساء في المجتمع الفلسطيني. وحتى تتضح الصورة بشكل أوضح فإننا نشير إلى أنه ومنذ عام 2004 فقد رصدنا ووثقنا قتل (329) امرأة وفتاة. وهذا عدد كبير جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار تأثيراته وانعكاساته، ليس على النساء فحسب، بل أيضا على الأسر والمؤسسات الاجتماعية المختلفة".

هذا ورصد مركز الارشاد القانوني والاجتماعي منذ عام 2007 وحتى نهاية العام 2022 مقتل 289 امرأة وفتاة، 97 حالة منها تم تصنيفها كحالة انتحار، أي بنسبة 34%.

"إن ظاهرة الانتحار هي ظاهرة وحقيقة اجتماعية، ولذلك فإنه لا يمكن تفسيرها وتحليلها إلا بحقائق اجتماعية، وهي أكثر من مجرد حقيقة وظاهرة فردية، لأن أنماط سلوك الأفراد يجري تشكيلها وصياغتها مجتمعيا، رغم كونهم أفرادًا ويعتبرون أنفسهم يتمتعون بكامل الحرية والإرادة، فالحقائق الاجتماعية وخاصة التيارات الاجتماعية مستقلة عن الفرد وقاهرة له. إن التغير في معدلات الانتحار يرجع إلى التغير في الحقائق الاجتماعية، وبشكل أساسي التيارات الاجتماعية التي تلعب دورًا في تسبيب الانتحار، حيث كل مجموعة اجتماعية لديها استعداد جماعي للفعل، خاص بها، وهو مصدر الاستعداد الفردي وليس نتيجته. وهو يتكون من تيارات من الأنانية، والإيثار أو اللامعيارية تتخلل كل المجتمع. هذه النزعات للجسم الاجتماعي ككل، وبتأثيرها على الأفراد تدفعهم إلى الانتحار" هذا ما يقوله عالم الاجتماع اميل دوركايم.

ويقول دويكات: "إذًا، فالسؤال هو حول كيفية تفسير الظاهرة في مجتمعنا، وخاصة في علاقته بظاهرة قتل النساء، في ضوء النسب والأرقام الواردة في هذا الشأن. أما ما يمكن استخلاصه حول مفهوم الانتحار في هذا السياق فهو أن المفهوم يحمل اجتماعيا عدة احتمالات بالنسبة للإنسان المُنتَحِر، فهو أولا: إما أنه في الحقيقة لم ينتحر، وإنما قُتِل بطريقة توحي أنه انتحر كإلقائه من مكان مرتفع، أو خنقه أو أي طريقة أخرى لا تترك آثارًا ومعالم واضحة، وهناك ثانيا: احتمال آخر وهو أن يكون قد تمت ممارسة الضغط عليه لدرجة إجباره على القيام بفعل الانتحار كالإجبار على القفز من مكان مرتفع، أو على شرب دواء أو سم أو مبيد قاتل، أما الاحتمال الثالث فهو محاصرته اجتماعيا ونفسيا ووضعه تحت ضغوط هائلة تجعله يندفع إلى تخليص نفسه من خلال الانتحار وإنهاء حياته".

ويضيف دويكات: "في التحليل هذه احتمالات تبقى قائمة ومن الممكن حدوثها، لكنها تنطوي على كثير من "التواطؤ" من المجتمع المحيط، بحيث يمكن لهذا التواطؤ التغلب على أية جهود تهدف إلى كشف الحقائق بصورة فعلية، وإبقاء النتيجة تدور في سياق مفهوم "الانتحار" وهو مفهوم كافٍ تقريبا لإغلاق أي منافذ أو أبواب للتعمق في البحث ومحاولة كشف الحقائق".

 

الاختلاف وعدم التوافق المنهجي على الظاهرة يضعف العمل المؤسسي لمواجهتها

تكشف دراسة المركز أنه لا يزال هناك اختلاف وتباينات في الأرقام والإحصاءات والبيانات المتعلقة بجرائم قتل النساء، ولعل ذلك يكشف أسبابا متنوعة، بعضها يرتبط بمنهجية القياس والإبلاغ عن الحالات، وبعضها يرتبط بأسباب اجتماعية وأهلية، وكل ذلك يرتبط بآليات الرصد والتوثيق من قبل المؤسسات والجهات المعنية، ما يتطلب استمرار العمل على تطوير هذه الحلقة من سلسلة مواجهة الظاهرة، لأن القياس السليم يمكن من بناء اجراءات التدخل الملائمة وفي التوقيتات والنطاقات ذات الصلة.

كما أظهر ت دراسة المركز قضية منهجية مهمة وذات تأثير كبير على نجاعة الإجراءات والحلول، ففي ظل عدم وجود توافق واضح مؤسسيًّا بين كافة الأطراف الرسمية والأهلية والحقوقية  والمجتمعية على منظومة المفاهيم والمصطلحات ذات العلاقة بقتل النساء، ينعكس سلبا على عدم الوصول إلى منهاج رصد وتوثيق فاعل وقادر على رصد وتوثيق فعلي للظاهرة، وهذا يعني اختلاف القياس واختلاف البيانات وبالتالي اختلاف الرواية والتشكك في مصداقيتها، الأمر الذي يعني ضياع الجهود وضعف سياسات العلاج واستفحال الظاهرة واتساعها من حين إلى آخر، وهو ما تؤكده أطراف مختلفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

لؤي ارزيقات المتحدث الرسمي باسم الشرطة الفلسطينية يعلق قائلا: "نحن ننظر لجريمة القتل كجريمة قتل بغض النظر إذا كانت لأنثى أو ذكر ويتم التعامل معها على أنها جريمة قتل ويجب أن يحاسب مرتكبها، وتعمل الشرطة على ملاحقة كل شخص يرتكب جريمة بحق أي إنسان في المجتمع الفلسطيني".

ويضيف: "هناك تباين في الإحصاءات، ونحن نقوم بتوثيق أي حالة قتل أو انتحار بعد إجراء عمليات البحث والتحري وجمع الاستدلالات، وإحالة الملف للنيابة العامة التي تقرر بدورها إحالة المتوفى بشبهة إلى الطب العدلي الذي يقوم بتشريح الجثمان، وبناء على النتائج يتم تصنيف الحالة إذا كانت قتلاً أو انتحارًا أو غيرهما".

ويوضح المتحدث باسم الشرطة "قتل النساء ليس ظاهرة في المجتمع الفلسطيني، والدليل الإحصاءات الرسمية الصادرة في هذا الشأن في عام 2022 كان هناك 55 شخصا قتلوا، منها 52 جريمة قتل بين الذكور بنسبة 95%، و3 حالات قتل بين النساء بنسبة 5%".

ويضيف ارزيقات "أما على صعيد الانتحار فقد شهد عام 2022، 32 حالة انتحار، منها 19 حالة بين الذكور بنسبة 59%، فيما بلغت حالات الانتحار بين النساء 13 حالة بنسبة 41%".

حيث يؤكد ذلك دويكات مشيرا إلى أن التباين هنا مثلا ناتج عن نطاق إحصائيات جهاز الشرطة، فبينما نطاقها هنا هو الضفة الغربية (دون قطاع غزة)، فإن الأرقام الواردة في تقرير مركز المرأة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. إضافة إلى الاختلاف في تعريف المفاهيم المختلفة كمفهومي القتل والانتحار وغيرهما.

الانتحار  ما زال الظاهرة الأبرز بين الحالات بواقع 35%

تشير البيانات التي كشفها تقرير المركز إلى رصد وتوثيق نحو (57) حالة قتل خلال عامي 2021 و2022، بواقع 29 حالة لعام 2022 مقابل 28 حالة لعام 2021، وتوزعت عمليات قتل النساء والفتيات في الضفة الغربية وقطاع غزة بين الانتحار والضرب حتى الموت (وبينهما حالات متنوعة)، ويبقى تصنيف حالات الانتحار نحو 20 حادثة تخص النساء أي ما يمثل نحو 35% من مجموع الحالات، مع الإشارة لظاهرة خطرة أيضا تتمثل بوفاة نحو 7% أثناء اللعب بالسلاح، هذه المؤشرات تعني أنه لم يطرأ تراجع على حالات القتل رغم كل الجهود. والجدول أدناه يوضح تصنيف حالات الانتحار :

سبب (الوفاة)

العدد

النسبة

انتحار

20

35%

انزلاق على الرأس

2

4%

خطأ/ إهمال طبي

1

2%

رصاصة بالخطأ/ عبث بالسلاح

4

7%

سقوط من علو/ بئر

6

11%

شجار عائلي

1

2%

ضرب حتى الموت

7

12%

ظروف غامضة

1

2%

غرق

1

2%

غير متوفر

2

4%

قتل-رصاص/خنق/سكين/ بلطة

9

16%

نوبة قلبية

3

5%

ويضيف دويكات: "أخذ مفهوم الانتحار يفرض نفسه بصورة بارزة خلال السنوات الأخيرة على مجمل تقارير وإحصائيات الكثير من المؤسسات التي تعنى بمتابعة ظاهرة قتل النساء. وقد ظهرت أرقام حالات الانتحار وفق رصدنا وتوثيقنا كما يلي: خلال الأعوام 2007-2010 بلغ عدد الحالات التي جرى تصنيفها تحت هذا المفهوم (9) حالات من أصل (38) حالة قتل خلال السنوات الأربع، أي بنسبة تقارب (24%) من إجمالي العدد. أما في سنوات 2011-2012 فقد رصدنا (18) حالة قتل من بينها (7) حالات انتحار، أي بنسبة (38%)، وخلال عامي 2014-2015 كانت النسبة (19%)، بينما خلال سنوات 2016-2018 فقد كانت النسبة (58%) من إجمالي (76) حالة تم رصدها خلال الثلاث سنوات. وخلال عامي 2019-2020 كان هناك (9) حالات تم تسجيلها كانتحار من بين (58) حالة أي بنسبة (15%). أما خلال الفترة الحالية 2021-2022 فقد كانت هناك (20) حالة من بين (57) حالة خلال العامين، أي بنسبة (35%)، عموما فإن نسبة الانتحار خلال العشر سنوات الأخيرة كانت تساوي تقريبا ثلث الحالات التي يتم رصدها وتوثيقها".

توزيع الحالات بين الضفة وغزة

بالمقارنة بين حالات الضفة وغزة وفق دراسة المركز، بواقع (37) حالة، بنسبة تقارب (65%) من إجمالي عدد الحالات خلال عامي 21-2022، فيما بلغ عددها في قطاع غزة (20) حالة خلال العامين ذاتهما، أي بنسبة (35%) من إجمالي عدد الحالات. وكانت أعلى النسب في محافظة الخليل 14 حالة بنسبة 25%، وغزة 8 حالات بنسبة 14%.

توزيع الحالات بين الضفة الغربية وقطاع غزة

 

ويؤكد دويكات: "ليس هذا كلامًا نظريًا فحسب، إنما هناك العديد من المؤشرات التي تدعمه في السياق الاجتماعي، وخاصة في سياق الجدل حول ظاهرة قتل النساء تحديدًا، ومنها الارتفاع في عدد ونسب النساء التي يجري تصنيفها تحت هذا المفهوم. ونحن هنا لا نهدف إلى التشكيك أو الطعن في أية معلومات يمكن أن تتوصل إليها الجهات المعنية، وإنما نحلل الاحتمالات دون نفي أو إثبات أي منها، خاصة أن الحديث يدور عن موضوع جدلي كظاهرة قتل النساء التي لا تزال تجد من يدعمها ويؤيدها بشكل واضح لا لبس فيه، ويبحث عن أسباب ومبررات لتبريرها. خاصة أن هناك من الأرقام ما يدعم التساؤلات التي نطرحها خلال هذا التحليل، فمن ناحية اتضح لنا أن هناك ما يثبت أن ما يقارب نصف حالات القتل التي وثقناها (46%) كن قد تعرضن للعنف بأشكاله المختلفة خلال الفترة التي سبقت مقتلهن، ومن ناحية ثانية فإنه حتى عندما استثنينا الحالات التي تم تصنيفها تحت مفهوم الانتحار والحوادث العرضية والوفيات الطبيعية بقي لدينا تقريبا نصف العدد الذي تعرض للقتل في الإطار الاجتماعي والأسري الأكثر قربا مع الضحية، كالزوج والأب والأخ وغيرهم، وهو الإطار الأكثر قدرة على كشف و/أو إخفاء الحقائق والأدلة حول كل ظروف وملابسات وتفاصيل القتل، وهو في العموم إطار يميل عند الحدث إلى اتجاه لا يزال هو السائد في هذه الحالة وهو اتجاه "لملمة" الموضوع وإغلاق الملف بأسرع وقت أولا، وثانيا عدم تعريض أي شخص من الإطار الاجتماعي للاتهام والعقوبة".

الضحية الأكبر لحالات القتل بين الشابات

يتضح من النظرة المعمقة للبيانات الواردة في الدراسة أنه من بين الـ ٥٧ حالة قتل التي رصدها المركز خلال عامي 2021- 2022، كان هناك 25 حالة منها في الفئة العمرية بين 19 – 29 عاما، أي بنسبة 44٪، تلتها الفئة العمرية من (10) أعوام إلى (18) عاما حيث كان عددها (13) حالة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال العامين وبنسبة (23%). وهذه مؤشرات خطيرة على صحة وأمن المجتمع الفلسطيني/ لأهمية هذه الفئة العمرية ضمن الهرم السكاني سواء بالضفة الغربية او قطاع غزة.

ويوضح دويكات "ولأننا نميل إلى التفسير الاجتماعي وننطلق منه، كون ظاهرة قتل النساء قضية اجتماعية فإننا نرى أنه في الاحتمالات الثلاثة المتعلقة بتحليل مفهوم الانتحار فإن هناك مسؤولية مجتمعية، وهذه المسؤولية من جانبين، فالجانب الأول هو أن المجتمع عمومًا مسؤول عن حياة أفراده ومواطنيه بصرف النظر عن جنسهم أو طبقتهم أو رأيهم أو أي اعتبار تمييزي آخر، وعليه واجب توفير كل الظروف والحقوق التي توفر لهم حياة حرة وكريمة تبعدهم عن الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تؤثر عليهم سلبا وقد تدفع بعضهم إلى اللجوء لخيار إنهاء حياتهم وهو ما سبق وأطلقنا عليه مفهوم "الاستنحار"، أما الجانب المهم الآخر في دور المجتمع ومؤسساته فهو استنفاد كل السبل والإمكانيات لكشف حقيقة أي حادثة انتحار وعدم تمكين أي فرد من استخدام هذا "المبرر" لقتل أي إنسان آخر"، يقول دويكات.

الحالة الاجتماعية ليست كافية للحد من حالات الانتحار أو القتل

يعتقد البعض أن الانتحار ذو علاقة بقضايا وهموم الحياة واليأس، لكن ما كشفته دراسة المركز يلقي الضوء على زاوية مهمة، فقد كان العدد الأكبر من الضحايا كان بين الفتيات العزباوات بواقع 24 حالة، اي بنسبة تقرب من 42% من المجموع الكلي، مقابل 18 حالة من المتزوجات (بنسبة 32%) فيما بلغت النسبة نحو 16% بين المطلقات، وهذه مؤشرات مهمة للتحليل النفسي والاجتماعي ولصناع السياسات على مستوى المؤسسات الرسمية والاهلية المتخصصة بهذا القطاع من حياة المجتمع الفلسطيني.

على هذا الصعيد وردا على سؤال وجهناه حول دوافع إقدام المرأة على الانتحار، تجيب الدكتورة نبال خليل/ المتخصصة بالأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية: "في أغلب الإحصائيات العالمية فإن حالات الانتحار عند المرأة أقل منها عند الرجل، مع العلم أن محاولات الإقدام على الانتحار لدى المرأة أعلى، لكن في معظم حالات الإقدام على الانتحار من قبل المرأة متعلق بالتهديد الجندري المجتمعي والنفسي الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى أمراض عضوية نفسية متعلقة بالمرأة ما يقودها في النهاية إلى الانتحار". أما الدوافع للانتحار لدى المرأة توضح د. خليل: "التغيرات الجسدية والبيولوجية التي تصيب المرأة مع التقدم بالعمر، التي تؤدي إلى خلل هرموني متعلق بالدورة الشهرية وانقطاع الدورة الشهرية، التي تؤدي إلى ارتفاع حالات الاكتئاب لديها وهو المسبب الرئيسي للإقدام على الانتحار، أيضا التعرض للعنف، وخاصة العنف الأسري (من الذكور تحديدا). إلى جانب حالات الاغتصاب والحمل دون زواج، ولا بد أن نذكر الحالة الاجتماعية للمرأة، فالمرأة العزباء، المطلقة والأرملة ترتفع لديها حالات محاولة الانتحار، وفي المقابل هناك دراسات أثبتت أن حالات الانتحار أيضا وجدت في الزوجات صغيرات السن اللواتي تزوجن بعرف العائلة بما يسمى الزواج المدبر (المجبرة عليه)".

إلى جانب أسباب أخرى أبرزها "القيود الاجتماعية أو المغلفة باسم الدين على المرأة، عدم الاستقلال المادي للمرأة يزيد من محاولة الانتحار، وأيضا الوضع الطبقي المجتمعي (فالمرأة في الأسر الفقيرة يوجد لديها محاولات الانتحار بمعدل مرتفع)، وهناك بعض الحالات التي تكررت لدى العاقرات"، تضيف خليل.

التكلفة الأسرية والاجتماعية لحالات القتل والانتحار

لا تنتهي قضية القتل والانتحار عند وفاة الضحية، وإنما تمتد لتطال سلسلة اجتماعية لاحقة، تتمثل بالأبناء وأفراد الاسرة الذين سيحملون العبء الناجم عن حالة القتل أو الانتحار مهما كانت الأسباب، وبحسب تقرير المركز فقد بلغ عدد أطفال الضحايا (59) طفلا (ذكورا وإناثا)، ويكشف التقرير أنه تم  رصد ما مجموعه (29) ضحية تركن أطفالا بعد قتلهن، هذه الفاتورة الاجتماعية التي سيتم دفعها من كافة الشركاء أسريًّا إضافة للتكلفة الاجتماعية من خلال المؤسسات المعنية.

وحول طبيعة الأثر النفسي الذي يمكن أن يتركه انتحار المرأة على أسرتها وعلى أطفالها في حال كانت متزوجة ولديها أطفال، تقول د. خليل: "في معظم الأسر التي وجد لديها حالة انتحار للمرأة، أدى إلى حالات اكتئاب لدى أفراد الأسرة نفسها سواء الأب أو الأم أو الأخوة وإذا كانت متزوجة وجد في كثير من الأحيان حالات انتحار للأبناء نتيجة تراكم الحالة النفسية لعدم تقبل انتحار المرأة نفسه، كما تتعرض الأسر إلى ضغط اجتماعي ونفسي من قبل المحيط الذي تعيش فيه ما تضطر في بعض الأحيان إلى الابتعاد و الانعزال عن محيطها، أو حتى الرحيل لمناطق مختلفة" .

النسبة الأكبر لحالات القتل تتم داخل الأسر

كما في مختلف الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، يبقى الزوج او القريب المباشر في الأسر الأكثر تأثيرًا في حالات القتل، فقد كشف تقرير المركز عن دور صلة القرابة بين الضحية والقاتل، حيث احتل الزوج النسبة الأعلى من بين نسب القتلة حيث قتلت (4) ضحايا من بين (21) ضحية مصنفة تحت مفهوم القتل على يد زوجها، أي ما نسبته (19%)، بينما تساوت النسب بواقع (14%) لكل منها عندما كان الأخ هو القاتل (3) حالات، الأب (3) حالات، قتل النفس (3)، التي وردت تحت مفهوم القتل الخطأ عن طريق عبث الضحية بالسلاح، الأمر الذي يكشف الدور البارز لصلة القرابة بالحالات بشكل عام، ويكشف أن الأولوية للعمل تبدأ من الأسرة بكافة مكوناتها.

معالجة قانونية جزئية لقضية الانتحار

   كيف يمكن أن يلعب القانون دورا في الحد من ظاهرة انتحار النساء في المجتمع الفلسطيني، وهل هناك أية تعديلات يجب إجراؤها على قانون العقوبات الفلسطيني، بحيث تساهم في الحد من هذه الظاهرة؟ تجيب القانونية خديجة زهران مديرة دائرة الرقابة على السياسات والتشريعات/ الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان: "بداية، لم يعالج القانون الفلسطيني الانتحار كونه فعلًا خطيرًا يقوض الحق في الحياة باعتباره حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان، وقيمة إنسانية تنطلق منها كافة الحقوق الأخرى، واقتصرت معالجة القانون على ايقاع الجزاء على من يحاول الانتحار أو يساعد أو يغري أو يدفع أي شخص على الانتحار".

وتضيف زهران: "على الرغم من أن القانون الفلسطيني يعاقب على محاولة الانتحار بشكل عام وانتحار النساء بشكل خاص، إلا أن النيابة العامة تعمد إلى عدم تحريك الدعوى، وحفظ الدعوى الجنائية الناشئة عن تلك الجريمة، لعدم جدوى العقاب وحفاظًا على الروابط الأسرية، حيث لم ترصد الهيئة صدور أي أحكام قضائية خاصة بمعالجة قضايا الانتحار، كما اقتصرت المعالجة القانونية على إيقاع الجزاء باعتبار أن فعل الانتحار يشكل جريمة مكتملة الأركان، وتعامل مع نتيجة الفعل دون النظر إلى الأسباب والعوامل التي ساهمت في ارتكابه، على الرغم من إدراكه لمقدار الخصوصية والخطورة التي تشكلها تلك الجريمة، على المساس بالحق المقدس للإنسان في الحياة، كما لم تتضمن منظومة القوانين والتشريعات ذات العلاقة (قانون الإجراءات الجزائية)، أية تدابير او إجراءات سواء كانت لاحقة لوقوع حالات انتحار النساء أو سابقة (وقائية) عليها، أو تدخلات ومعالجات من شأنها التصدي لتلك المشكلة، بالنظر الى مقدار خطورتها، والنتائج والآثار المترتبة عليها، خاصة على أمن وسلامة المجتمع".

وحول ضرورة فرض عقوبة على الشخص الذي يقدم على الانتحار، أوضحت زهران "ان الانتحار هو جريمة متكاملة الأركان، بحيث يستحيل معاقبة الشخص المنتحر، كون الوفاة تحققت، أما اذا لم تتحقق الوفاة فيتوجب اتخاذ تدابير علاجية وارشادية نفسية لدعم المرأة التي حاولت الانتحار، بالإضافة الى معالجة الأسباب التي دفعتها الى الانتحار، كالضغط العائلي، او التعرض للعنف، او دفع العائلة لها للانتحار لدوافع الستر".

وهل ساعد إجراء التعديل على قانون العقوبات وخاصة بند "العذر المحلل والمخفف لقتل النساء" على تسجيل الحالات من حالات قتل أو استنحار الى حالات انتحار او سقوط من علو او حالات أخرى، تقول زهران "لم يتبين ارتباط بين التعديل وانتحار النساء، لكن عددًا من حالات انتحار النساء تكون بضغط عائلي  بأن تقتل المرأة نفسها، حفاظا على أفراد العائلة من السجن والعقوبة".

وكيف يمكن لإقرار قانون حماية الأسرة من العنف أن يحد من ظاهرة الانتحار؟ تؤكد زهران "أن توفير بيئة قانونية وسياساتية للحماية وإيجاد عقوبات رادعة مناسبة لمرتكبي العنف ضد النساء، قد يساهم في الحد من انتحار النساء، ولكن نعتقد انه يفترض بذل المزيد من الجهود لتغيير ثقافة المجتمع تجاه نظرته للمرأة".