عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 21 أيار 2023

القدس بعد مسيرة الأعلام الإسرائيلية

باسم برهوم

ثمة حقائق راسخة لا يمكن لمنطق القوة والغطرسة أن يحجبها أو يخفيها، المنطق العنصري الإستعلائي المستعار من حقبة الاستعمار القديم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بعد أن رحل هؤلاء هم وأعلامهم وصلفهم بقيت القدس في مكانها مع هويتها الوطنية الفلسطينية. هم يأتون كل عام ليحتفلوا بواقعة احتلالهم للقدس ليقولوا لنا وللعالم إن المدينة تخصهم وحدهم، وهذا لا يمكن وصفه إلا بالعربدة، لأنهم يأتون بعد أن تكون دولة الاحتلال قد حشدت مئات القناصة، وآلافا من قوة الشرطة وحرس الحدود، فهم مجرد عابرين يحاولون لي ذراع التاريخ الحقيقي.
ما ميز القدس وتاريخها هو تعدديتها الثقافية والحضارية، هي مدينة للإنسانية، بالمعنى الثقافي والحضاري، وتحاول القوى الصهيونية الأكثرعنصرية أن تحتكر تاريخ المدينة وحاضرها فهم لا يحاولون إلغاء هذه التعددية وحسب، وإنما فرض شيء زائف تخريبي لا يمت للتسلسل والمسار الطبيعي للتاريخ بشيء، لذلك يأتون ويرحلون كالغرباء، وتبقى القدس فلسطينية عربية إنسانية.
هذه الحقيقة، التي تتهاوى عندها الرواية الصهيونية، والتي ترمز إليها مسيرة الأعلام السنوية، وكل أشكال سياسة التهويد، هي مهمة وأثبتت كم هي راسخة وصلبة. ولكن هي عامل في الصراع الدائر بين روايتين وعلى أرض الواقع، لذلك فإن هذا العامل، أو هذه الحقيقة بحاجة إلى دعم، لأن مخطط التهويد الصهيوني يتمتع بقوة ودعم استثنائي من الدول الاستعمارية القديمة والجديده. فالصراع كما هو واضح أوسع وأعقد مما يعتقد كثيرون. ومسألة دعم هوية القدس الثفافية والوطنية لا تحتاج لا إلى شعارات ولا تصريحات لفظية ولا عبر مزايدات ملت القدس ومل الشعب الفلسطيني منها. خصوصا أن كل هذه المزايدات لم تقدم أو تؤخر في هول ما تخطط إسرائيل للقدس.
الجديد هذا العام أن مسيرة الأعلام هذه تضمنت تحديا لليبراليين اليهود، الذين يعتبرون نموذج القدس شيئا مخيفا لهم، لكونها تحولت إلى تجمع للحريديم (اليهود الأرثوذكس المتشددون واليمين الفاشي)، وهي بهذا المعنى، أي مسيرة الأعلام هي تعبير عن انقسام في المجتمع الإسرائيلي، فهذا المحتمع لا ينظر إلى القدس بالمنظار نفسه، فالصهيونية الدينية، التي تقف وراء مسيرات الأعلام، هي بالنسبة لمجتمع الليبراليين خطر عليهم ربما أكثر من الفلسطينيين.
السؤال الآن، وبعد أن انتهت مسيرة الأعلام التهويدية، ما الذي يجب عمله حتى نحمي بالفعل هوية القدس الحضارية والوطنية الفلسطينية العربية، الحقيقة التي لم تستطع إسرائيل هزيمتها حتى الآن؟ 
أولا: هناك حاجة للاتفاق على هوية القدس إلى جانب حقيقة كونها العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين المستقلة، والقدس تأخذ هويتها الثقافية من تاريخها الحقيقي من كونها مكانا لتشكل الحضارات والأديان، بعيدا عن محاولات احتكار حقيقة المدينة كما تسعى الرواية الصهيونية فرضها. القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين مع طبيعتها التعددية هذه هي هويتها.
ثانيا: إبعاد قضية القدس عن المزايدات الفصائلية الفلسطينية وضرورة توحيد الخطاب الفلسطيني نحو القدس بعيدا عن خلافاتنا السياسية.
ثالثا: وضع خطة عملية لدعم صمود المقدسيين والدفاع عن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وبما أن المسجد الأقصى المبارك هو الأكثر عرضة للتهديد ومحاولات تغيير الواقع فيه بما يخدم المخطط الصهيوني، فإن على كافة القوى الفلسطينية أن توحد أداءها وخطواتها تجاه الأقصى ومرة أخرى بعيدا عن الانتهازية الفصائلية وأخذ قضية الأقصى والقدس لخدمة أجندات خارجية.
رابعا: تنظيم ندوة سنوية بخصوص القدس بمشاركة دولية واسعة هدفها التصدي للرواية الصهيونية، وأن تضع الجامعة العربية ثقلها، بالإضافة إلى شركاء إقليميين ودوليين آخرين يعتقدون بما نعتقد بخصوص هوية القدس..
خامسا: وضع قضية القدس كبند دائم في كل المباحثات العربية مع العالم. فالقدس هي مفتاح الحرب والسلام.
سادسا: إنشاء مراكز ومعاهد بحث في الجامعات الفلسطينية لبناء تاريخ ورواية فلسطينية علمية وربط هذه المراكز بعلاقات مع المراكز التاريخية في الجامعات العالمية، ففي مثل بعض المعاهد الأكاديمية الأوروبية والأميركية تم إخراج فلسطين من التاريخ وصياغة الرواية الصهيونية الزائفة، وهنا لا بد من توفير ميزانيات ودعم من القطاع الرسمي و القطاع الخاص والمجتمع المدني، وفي وسط كل ذلك تكون القدس عنوانا رئيسيا. 
سابعا: دعم عمليات إعادة الاعمار لكل المباني داخل السور وخارجه في القدس الشرقية التي بحاحة للاعمار، فالتاريخ المادي هو اكبر شاهد على الهوية العربية الفلسطينية للقدس وهو المستهدف اكثر من غيره من إسرائيل. 
ثمة الكثر من العمل امامنا كي نطمأن ان حقية القدس التي فشلت إسرائيل في هزيمتها وإخفائها بخير، ولنكون واثقين ان مسبرة الاعلام هي فقاعة تهويد لن تنتج حقائق على الارض.