الثمانيني التلاوي.. أمل العودة لا يشيخ
رام الله- الحياة الجديدة- سعيد شلو- "سأعود إلى قريتي مهما طال الزمن"، رغم أنه تجاوز الثالثة والثمانين من عمره، إلا أن الحاج فخري يوسف التلاوي ما زال متمسكا بأمل العودة الى قرية الغوير في طبريا".
لم يتجاوز السابعة من عمره، حين عايش التلاوي رحلة لجوء شاقة من قريته الغوير التي لا تبعد قضاء طبريا ولا تبعد عنها سوى سبعة كيلومترات، إلا أن ذاكرته ما زالت مزدحمة بالتفاصيل.
يقول التلاوي لـ "الحياة الجديدة" متشبثا بمفتاح منزل والده كتشبثه بحق العودة: "ولدت بقرية الغوير قضاء طبرية، كانت الحياة هادئة، ولطبيعة الفلسطيني المضياف استضفنا اليهود دون أن يكون للأهالي أي مخاوف أن هؤلاء سيصبحون مستوطنين يقتلعون الشجر، ويدمرون البيوت، ويقتلون الأهالي بمن فيهم من أمنوا لهم العمل والزراعة والحماية ومدوا لهم يد العون".
ويضيف: "كان اليهود يعملون بالتجارة والزراعة وكان الانتداب البريطاني يدربهم على السلاح وكنا نراهم أثناء التدريب، ثم بدأت أعدادهم تزداد خاصة أولئك القادمين من أوروبا، حيث أقيمت لهم كيبوتسات خاصة، وهكذا تم تدريبهم وتوطينهم في بلادنا وعلى أرضنا ولما خرج الانتداب البريطاني من فلسطين كان قد دربهم وترك أسلحته لهم".
وعن بدايات اعتداءات الصهاينة، يستذكر التلاوي: "في ذات يوم من أيام ربيع عام 1948، أطلقت عصابة للمستوطنين النار على مواشينا ومضافتنا، وحدث تبادل لإطلاق النار، دون أن نكون مستعدين لتلك المواجهة، أسلحتنا بدائية، بينما امتلكوا هم كل ما ورثوه من ذخائر الإنجليز، صعّدوا من هجماتهم".
كانت قرية الغوير تنهض على قمة تل صغير قليل الارتفاع مشرف على بحيرة طبرية، وكان سكانها يتزودون بمياه الشرب من ينابيع عدة، وكانوا يعتمدون على الزراعة في تحصيل رزقهم.
وتزعم المصادر الإسرائيلية أن الذعر أدى إلى النزوح عن القرية بعد ثلاثة أشهر من سقوط طبرية. وعند فجر 24 نيسان 1948، احتلت عصابة البلماخ القرية في هجوم مباغت وهجروا سكانها إلى قرية الرامة إلى أن سقطت هي أيضا.
انشأ الصهاينة مستعمرة "غينوسار" عام 1937 إلى الشرق من القرية على أراض كانت تقليديا تابعة لها. أما مستعمرة "لفنيم" التي أسست عام 1982 على أرض القرية، فتقع على بعد نحو كيلومتر إلى الشمال الغربي من موقع القرية.
ويغلب على الموقع النباتات البرية والأشواك، أما الأراضي المنخفضة فتستنبت فيها الحمضيات والموز، بينما يستعمل الإسرائيليون المرتفعات مراعي للمواشي.
ويروي التلاوي بعضا من تفاصيل الوحشية التي تعاملت بها عصابات الهاجاناة: "ذبحوا شبابا أمام أعين والديهم بقروا بطون الحوامل وقتلوا العائلات"، مشاهد دموية ما زالت عالقة قي ذهنه، رغم مرور ستة وسبعين عاما عليها.
وعن رحلة التشرد، يستذكر التلاوي: خرج الأهالي خوفا من الإرهاب الصهيوني، على أساس الرجوع إلى فلسطين خلال مدة 10 أيام، حيث قام الأهالي بتعبئة براميل الماء الخشبية حتى لا تجف إلى وقت عودتنا وحتى نستطيع استخدامها من جديد".
ويضيف، "كان الأهالي يحملوننا ويسيرون بنا ليلا مختبئين من مكان إلى مكان إلى أن وصلنا صفد وأقمنا بها أكثر من ستة شهور، وخلال تلك الفترة كان أهلي يزرعون الأرض ليقتاتوا". ويتابع: "أنا وعائلتي جئنا إلى الشونة الشمالية في الضفة الشرقية، سكنا مخيمات غاية في الصعوبة وانتشرت في تلك الفترة الأمراض منها مرض التيفوئيد والسل، شقيقي الأكبر توفي أمام عيني بعد أن اشتد به المرض".
ويقول: "من مخيم الشونة انتقلنا إلى مخيم الكرامة، وبعد معركة الكرامة تم إحضارنا إلى مخيم البقعة آخر محطات لجوئنا حيث كان في البداية عبارة عن خيم ثم تحول إلى ما هو عليه الآن".
عشرات السنين قضاها التلاوي، وما زال مئات اللاجئين متشبثين بأمل العودة إلى فلسطين، ويختتم قائلا: "ولو أتيحت لنا العودة فسأعود إليها كما خرجت منها بملابسي فقط، حتى أنني مستعد للسكن في مغارة في الجبل وأحلم أن أموت هناك".
مواضيع ذات صلة