عاجل

الرئيسية » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 01 أيار 2023

نزيه شبايطة.. عامل فلسطيني في صيدا بدرجة مهندس كيميائي!

بيروت- الحياة الجديدة- هلا سلامة- وهو يرتب الكلمات محاولاً جبر كسور خيبات الحياة التي آلمته، أقرأ في حدقات عينيه مآسي شتات وأشياء ضاعت من أحلام صباه وحقا محجوبا ينتظر عدالة تتحقق على هذه الأرض، أربعة وستون عامًا، نزيه شبايطة المهندس الكيميائي والعامل على سيارة الأجرة في مدينة صيدا، ضحية الاحتلال والأفكار السوداء التي تفرض قوانين التمييز والحرمان في عالمنا.
التقيناه في عيد العمال في مدينة صيدا لنتعرف عليه في قصة من بين آلاف قصص حرمان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من الحقوق المدنية والإنسانية التي تتبناها الدساتير والقوانين الدولية واللبنانية أيضا.         
ولد نزيه عام ١٩٥٩في مخيم عين الحلوة الذي لجأ أهله إليه من بلدة حطين الفلسطينية إبان نكبة ١٩٤٨ وتعلم وإخوته التسعة في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قبل أن يسافر إلى الاتحاد السوفييتي عام ١٩٨١ ويتخصص في الهندسة الكيميائية.
عاد بشهادته الجامعية إلى لبنان وبدأ البحث عن عمل له علاقة باختصاصه، ولكن عبثا، يقول: "كنت أتقدم بالوثائق المطلوبة وحين يصل الدور إلى هويتي، كانت تتردد الإجابة نفسها على مسامعي، "فلسطيني ممنوع"!، كنت في كل مرة أشعر بالظلم وأسأل نفسي كيف  للهوية أن تقيم قدرات الإنسان أو تعيق درب نجاحه ومستقبله؟".
يضيف: "سنوات كانت تمضي من عمري دون فائدة وأنا أضع شهادتي في شنطة ما زالت حتى اليوم في مكانها، مهندس بالاسم داخل مجتمعي الفلسطيني، ولكن هذا لم يعد كافيا كي أؤمن مصروفي ولا أكون عبئا على أهلي، كل ما أتيح لي أن أعمل على سيارة أجرة في مدينة صيدا".
يتابع نزيه: "استأجرت سيارة وبدأت بنقل الركاب داخل صيدا التي قدم أهلها والمسؤولون فيها التسهيلات للفلسطينيين، فأنا ممنوع علي أن أحصل على دفتر عمومي يجيز لي التنقل في الأراضي اللبنانية بسبب جنسيتي".
٦٤ عاما ولو أن الخيبات آلمته إلا أنها لم تهزمه وهو لا يتوانى عن سرد مواقف حصلت معه لم تزده إلا إصرارا على الصمود من أجل الحياة الكريمة، يتابع: "في أحد الأيام كنت أعمل على سيارة عمومي، فأوقفني شرطي السير وطلب مني الأوراق الثبوتية، فعلم أني فلسطيني، وقام بحجز السيارة مسطرا ضبطا ماليا بحقي، وحين توجهت في اليوم التالي لدفع المبلغ المتوجب لم يُسمح لي بتسلم السيارة لأني فلسطيني، قيل لي يجب أن يأتي سائق لبناني يمتلك دفتر سوق عمومي كي يُخرجها من الحجز، فما كان أمامي إلا أن أطلب من أحد السائقين العموميين مساعدتي في ذلك".
قصص موجعة تزدحم في ذاكرة نزيه يسترجعها في بوحه المتقطع فينقلنا إلى روسيا قائلا: "كنت أذهب إلى الجامعة هناك أحيانا في درجة حرارة ٣٠ تحت الصفر، وكنت أقنع نفسي كل يوم أن علي الصبر كي أحقق أهدافي وأبني مستقبلا أفضل لي ولأهلي، بعد كل هذه السنين تيقنت أن تحقيق الآمال وللأسف مشروط بالهوية".    
 ويستطرد بالقص عن حجة هويته الفلسطينية التي يعتز بها: عام ٢٠١٦ تقدمت لتجديد دفتر السوق الخصوصي المذكورة فيه مهنتي "مهندس" ففوجئت بشطبها، فسألت الموظف المعني لماذا تم شطبها؟ أجابني أنت فلسطيني، فقلت له، وهل لأني فلسطيني ممنوع علي أن أكون مهندسا؟!
يخبرنا نزيه أن حاله حال الكثيرين من المهندسين الفلسطينيين وحملة الشهادات العليا الذين حرموا من العمل بها، وهذا دافع أساسي لهجرة كل شاب فلسطيني يحالفه الحظ من لبنان إلى بلاد أخرى تعترف بحقوقه الأساسية في الحياة، وهو بدوره يشجع أبناءه الأربعة على السفر للغاية نفسها.
يدفع نزيه كغيره من الفلسطينيين الضرائب المالية والرسوم المفروضة على المواطن اللبناني، إيجار منزله في حي الفوار في صيدا، ورسوم الكهرباء والمياه، وفي المقابل هو ممنوع من حقوق كثيرة من بينها العمل والتملك، فمعلوم أن الفلسطيني إن اشترى شقة في لبنان لا يحق له تسجيلها باسمه ما يضطره إلى تسجيلها باسم أحد اللبنانيين المقربين منه.
ما زال الإنسان الفلسطيني الذي ولد وعاش في لبنان بفعل اللجوء من وطنه يواجه سخرية حجج التوطين الواهية  ليُستكمل حرمانه من العمل بأكثر من ٧٠ مهنة، هذا الحرمان يبقى برسم كل مؤتمن على تطبيق حقوق الإنسان وحرياته.
في عيد العمال، العامل المهندس نزيه شبايطة، هويته مغروسة على جبينه وفي وجدانه لا يمكنه التجرد منها مهما قست الحياة التي يغفر لها بنظرة متسامحة وهو يختم لـ "الحياة الجديدة" أن المهنة والبيت والبناية وأراضي العالم كله لا يوطنون ولا شيء يغني عن الوطن.