عاجل

الرئيسية » مقالات و آراء »
تاريخ النشر: 01 أيار 2023

عمال فلسطين.. أوضاع معقدة وقائمة المطالب طويلة

باسم برهوم

عندما كنا نعيش في مرحلة المد القومي واليساري في خمسينيات وستينيات وحتى سبعينبات القرن العشرين، كان ليوم العمال العالمي وهجه الخاص، وفي هذا اليوم كانت المسيرات والمهرجانات تعم العواصم العربية، خاصة "التقدمية" منها، وفي العالم، وفي أوروبا تحديدا، عندما كانت النقابات العمالية أقوى من الأحزاب السياسية، كان يوم العمال العالمي أهم من أي مناسبة أخرى. لكن العالم تغير بعد أن حققت الرأسمالية انتصارها الكاسح على المعسكر الاشتراكي في مطلع التسعينيات، فتراجع دور النقابات مع تراجع قوى اليسار عموما على الساحة الدولية.

اليوم يحتفل عمال فلسطين كغيرهم من عمال العالم بعيد العمال، ولكن للعامل الفلسطيني ظروف مختلفة وله مطالب غير تلك التي عادة ما يطالب بها عمال العالم، مثل زيادة الأجور أو تحديد ساعات العمل أو الحصول على قانون عمل يكون أكثر إنصافا ويضمن حقوق العمال. العامل الفلسطيني يعمل في  ظروف لا شبيه لها في العالم، فقسم كبير من العمال الفلسطينيين يعملون مع صاحب عمل هو العدو هو  من يحتل أرضهم. وبلادهم، ومع صاحب العمل هذا لا حقوق لهم وليسوا مشمولين بأي قانون يضمن لهم حقوقهم.

العامل الفلسطيني كان منذ البداية أول ضحايا المشروع الصهيوني في فلسطين، فالحركة الصهيونية كان هدفها تأمين فرص عمل للعامل اليهودي، فاخترعت شعار "العمل العبري" أي العمل لليهود وحدهم، كما كانت هذه الحركة تسعى إلى فصل المجتمعين العربي الفلسطيني عن المجتمع اليهودي لذلك سعت منذ البداية للتخلص من العمال العرب وجلب يهود في مكانهم. وحتى عندما كانت الصهيونية تضطر لتشغيل العامل الفلسطيني فكانت تكرسهم للأعمال القذرة التي كان اليهود يرفضون العمل بها.

والآن يعمل أكثر من 120 ألف عامل فلسطيني في السوق الإسرائيلية، نصفهم بلا تصاريح دخول لإسرائيل، أي أنهم غير مشمولين بأي قانون أو حقوق، وهم جميعا، وبغض النظر إن كان العامل يذهب لسوق العمل الإسرائيلية بتصريح أو دون تصريح فجميعهم يعانون من سياسة التمييز العنصري، فهم يعملون بأجور أقل وربما ساعات عمل أطول وحتى إن كانت لهم حقوق، فلم يتم إطلاعهم عليها، وبالتالي لا يعلمون بها، فالدولة لا تتابع شؤونهم كما تتابع شؤون العمال اليهود، ونتيجة لذلك هم يخسرون عشرات الملايين من الشواقل سنويا هي حق لهم وتذهب إما لجيوب أصحاب العمل أو تأخذها الدولة.

وأكثر من ذلك يأتي البعد النقسي، فالعامل الفلسطيني المضطر للعمل في السوق الإسرائيلية. فهو يعاني نفسيا لأن من يعمل لصالحه هو العدو، الذي يسلب شعبه كل حقوقه السياسية والوطنية، فهو من جهة يعاني من سياسة التمييز العنصري وامتهان الكرامة، ومن جهة أخرى يعاني نفسيا لأنه مجبر أن يكون في هذا الواقع الصعب والمعقد؛ لأن لا فرص عمل كافية في السوق الفلسطينية.

وفي المقلب الآخر فإن الأجور التي يتقاضها العامل في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية تعتبر متدنية قياسا للأجور عند الجانب الآخر، والأسباب معروفة، فالاحتلال هو من يسيطر على الأرض والموارد والحدود والمعابر، وحتى على جمع الضرائب الفلسطينية، بالإضافة إلى ما تمارسه سلطات الاحتلال من حصار سياسي ومالي واقتصادي، لا تنعكس آثاره السلبية على العمال وفرص عملهم وحسب، بل تنعكس على  المجتمع الفلسطيني برمته. وإلى جانب محدودية فرص العمل، فإن هناك حاجة لمراجعة مستمرة للقوانين المتعلقة بالعمل والعمال وتطويرها بما يضمن حقوق العامل الفلسطيني.

فهناك مهمتان على الطبقة العاملة الفلسطينية متابعتها هي ومعها كل الشعب الفلسطيني، الأولى، أن تواصل نقابة العمال كفاحها من أجل حقوق العمال ومطالبهم، وتقوم بإطلاعهم على حقوقهم سواء في السوق الإسرائيلية أو السوق المحلية عبر منشورات ودعاية إعلانية تبث بشكل متواصل في وسائل الإعلام كافة. أما المهمة الثانية فهي تنظيم حملة دولية بالتعاون مع النقابات العمالية العالمية كافة، خصوصا الصديقة منها، هدفها كشف سياسة التمييز العنصري الإسرائيلية تجاه العمال الفلسطينيين وضرورة حصولهم على حقوقهم كاملة كما يحصل عليها العامل اليهودي.

وهناك حاحة ملحة لأن يكون لدى السلطة الوطنية ، وبالتعاون مع القطاع الخاص ومنظمات المجتنع المدني، استراتيجية تمتد لعدة سنوات يكون شعارها "جهد وعرق العامل الفلسطيني لبناء فلسطين". وترجمة ذلك ببناء المشاريع الكبيرة وتوفير فرص عمل وسوق عمل تستوعب العمال الفلسطينيين كافة دون أن يكونوا بحاجة للعمل بالسوق الإسرائيلية، مع تطوير القوانين المتعلقة بالعمال بالتعاون مع نقابتهم ومختلف الجهات المعنية ليحصلوا بموجب هذه القوانين على حقوقهم كاملة ويكون مستقبلهم ومستقبل أسرهم مضمونا بالكامل.