المقترضون بين نارين.. رفع الفائدة وصعود الدولار
*خبير: أسعار الفائدة في فلسطين غير مرتبطة بشكل أوتوماتيكي بأسعار الفائدة العالمية
*ترحيب "حذر" بمبادرة سلطة النقد وجمعية البنوك بشأن فوائد القروض
*دعوات لمزيد من الشفافية المصرفية ومراعاة الحصار المالي
رام الله– الحياة الاقتصادية- ميساء بشارات- تعصف الارتفاعات المتتالية للفائدة عالميا باقتصاديات الدول العظمى لكن التأثير على اقتصاديات الدول النامية أشد، خاصة أنها جاءت بينما ما زالت التداعيات الاقتصاديات لجائحة الكورنا وما تبعها من تضخم وارتفاع مستمر للأسعار.
وعادةً ما تلجأ البنوك المركزية لرفع الفائدة، بهدف تقليل مستويات السيولة في الأسواق، بهدف الحد من ارتفاع التضخم من خلال تقليل الطلب على السلع والخدمات، لكن هذه السياسة لم تكن ناجعة في الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا الغربية هذه المرة، خاصة أن التضخم لم ينخفض الى المستوى الذي كانت ترسمه البنوك المركزية من خلال رفع الفائدة المستمر.
محليا في فلسطين، واجه المقترضون من البنوك معضلتين بالتزامن، خاصة فيما يتعلق بقروض السكن، من ناحية ارتفع الدولار مقابل الشيقل بشكل كبير، ومن ناحية أخرى ارتفعت الفائدة، مقابل ثبات الدخل لعاملي القطاع الخاص، وتلقي موظفي القطاع العام الرواتب غير مكتملة منذ 15 شهرا في ظل استمرار الحصار المالي المفروض على السلطة.
وجاء ذلك كله بينما كشفت البيانات السنوية حول أرباح القطاع المصرفي أن البنوك استفادت بشكل ملحوظ من رفع الفائدة وقد انعكس ذلك زيادة في أرباحها، الأمر الذي تسبب بانتقادات في ظل الازمة المعيشية التي يواجهها المواطن.
وتصل نسبة الفائدة على القروض بالدولار بالبنوك الفلسطينية الى حوالي 8.5% ، و7% وعلى الشيقل مقابل 9% على عملة الدينار.
وأعلنت جمعية البنوك في فلسطين وسلطة النقد عن مبادرة تهدف إلى تخفيض الفوائد على القروض، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة عالميا.
ووفق المبادرة تم إعادة تقييم الارتفاعات في نسب الفوائد للمقترضين الأفراد الحاليين والحاصلين على قروض شخصية أو سكنية ذات الفائدة المتغيرة، والجاري مدين. وتقوم المبادرة على مبدأ أن رفع الفائدة لن يتجاوز 1.5 % عن النسبة المتفق عليها في العقد ما بين البنك والمقترض عند منح القرض حتى نهاية العام الجاري للقروض السكنية، ولن يتجاوز 2 % عن النسبة المتفق عليها عند منح القرض للقروض الشخصية.
ورحب العديد من المقترضين حين وصول رسائل خاصة على هواتفهم قبل يومين، تفيد بتخفيض نسبة الفائدة بنسب معينة، وهي ضمن مبادرة جمعية البنوك مع سلطة النقد التي أطلقت بدايو هذا الشهر.
الشاب أحمد عواد الحاصل على قرض سكني منذ سنتين ارتفع سعر الفائدة على قرضه مؤخرا كثيرا، يقول انه عند تقديمه طلبا للقرض كان قد احتسب المبلغ الذي عليه سداده بالضبط وبناء عليه رتب اموره المالية واحتياجاته، وان اي مبلغ يزيد على نسبة قرضه يؤثر على معيشته حتى لو كان المبلغ صغيرا نظرا للراتب المحدود الذي يتقاضاه.
واستقبل عواد وغيره من المقترضين عند سماعهم بمبادرة جمعية البنوك الخبر برحابة.
من جانبه يقول، محمد شاهين من جمعية حماية المستهلك انه يوجد انعكاس بمستوى عالي على القروض المأخوذة من البنوك، ولم ينعكس على الودائع الموجودة بالبنوك بنفس النسبة، وهذا الانعكاس كان بشكل كبير على كل القروض، وموازي تقريبا للارتفاعات العالمية، وهذا يعمل اشكالية لكثير من الناس الذين كانوا قد عملوا حساباتهم على حدود مالية معينة، مما ينعكس على القدرة الشرائية للناس.
وهذه المبادرة ايجابية تخفف على المقترضين نتيجة رفع سعر الفائدة وستنعكس على كل المقترضين سابقا او الذين سيقترضون خلال هذه الفترة.
بدوره، يقول محافظ سلطة النقد د. فراس ملحم، ان الفوائد العالمية زادت في الفترة الأخيرة بشكل كبير وهذا انعكس على العالم وكذلك علينا بفلسطين بطريقة غير مباشرة كوننا نتعاملم مع عدة عملات وبالتالي اي رفع للفوائد من البنوك المركزية التي تصدر تلك العملة تنعكس على المقترض والمودع الفلسطيني موضحا ان هذا الارتفاع ناتج عن الازمة المالية التي حصلت عالميا.
وأكد على أننا نعيش حالة من عدم اليقين على المستوى المالي عالمياً، وفلسطين تتأثر بما يحصل، مضيفاً أن القطاع المصرفي الفلسطيني بخير فمعدل النمو في القطاع البنكي على مستوى الأصول جيد، لافتاً إلى أن الأصول المجمعة للبنوك بلغت حوالي 21 مليار دولار، والودائع تنمو بشكل جيد وقد وصلت إلى قرابة 17 مليار دولار.
وبلغت التسهيلات الائتمانية بالقروض السكنية ما نسبته 26% اي ما يقارب الـ 2,276.1 مليار دولار.
من جانبه، يقول مدير عام جمعية البنوك في فلسطين بشار ياسين، ان المبادرة جاءت بشكل طوعي من كافة البنوك العاملة في فلسطين بغرض تخفيف العبء عن المواطن الفلسطيني، والتي دخلت حيز التنفيذ في بداية هذا الشهر (نيسان) وستنتهي مع نهاية العام الجاري 2023.
فكلفة المال ارتفعت منذ بدء رفع الفائدة من البنوك المركزية على البنوك نفسها وهذا بطبيعة الحال انعكس على المواطنين في كل أنحاء العالم وبالتالي كان لأبد من المحافظة على رفع الكلفة وعدم دفعها بالكامل من المواطن فهو لا يستطيع تحمل ذلك، في المقابل كان لابد من أن تبقى هناك سيولة ومتانة مالية للبنوك سواء هنا أو في العالم من أجل الإيفاء بالتزاماتها تجاه المودعين والمستثمرين للموازنة ما بين ارتفاع كلفة المال والدفع للعميل الذي لديه ودائع لدى البنوك بقيمة منطقية، مشيراً إلى أن هذا كان الأساس في تعاملنا بالمرحلة السابقة ومستقبلاً.
ووفق المبادرة تم إعادة تقييم الارتفاعات في نسب الفوائد للمقترضين الأفراد الحاليين والحاصلين على قروض شخصية أو سكنية ذات الفائدة المتغيرة ولكل عملة وتخفيضها لتصبح كما يلي: القرض السكني بحد أقصى 150 نقطة أساس عن سعر الفائدة للعميل كما هو في 30 حزيران 2022، وما هو فوق هذا السقف سيخفض للمرحلة القادمة وحتى نهاية العام 2023، أما الزيادة للقروض الشخصية تكون بحد أقصى 200 نقطة أساس عن سعر الفائدة للعميل كما هو في 30 حزيران 2022، ولن تقوم البنوك بعكس أية زيادات مستقبلية تتم على الفوائد حتى نهاية العام 2023.
كما ان هذه المبادرة تتيح لمن يرغب من مقترضي القطاع العام توفر البنوك إمكانية الحصول على جاري مدين مؤقت (غير دوار) بنسبة فائدة ثابتة 3٪، وبسقف راتبين أو رصيد المستحقات لدى السلطة الوطنية الفلسطينية (أيهما أقل)، وبحيث يستغل التمويل حصرا بهدف سداد الأقساط المستحقة على هؤلاء المقترضين، ويسدد من أية تحويلات تقوم بها وزارة المالية والتخطيط للموظفين، على أن يتم جدولة سقف الجاري مدين وفوائده بعد انتهاء مدته على عمر القرض الممنوح.
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور عبد الفتاح ابو شكر ان رفع اسعار الفائدة على القروض في الفترة الماضية ادت الى زيادة العبء المالي على المقترضين، لذلك جاءت المبادرة لتخفف من ارتفاع سعر الفائدة على المقترضين الحاليين والجدد لنهاية هذا العام، وان البنوك ستتكبد خفض الفائدة وتنخفض عائداتها ولكنها لن تتكلف خسائر.
ويشير ابو شكر إلى أن سعر الفائدة على الدولار وصل حاليا بالبنوك الفلسطينية 8.5 ، وسعر الفائدة على الشيقل 7% والدينار 9% والمبادرة التي قامت بها جمعية البنوك هي محاولة تخفيف عن عبء مالي على الكثير من المقترضين وخاصة أن الرواتب لا تصرف بشكل كامل.
ويرحب ابو بكر بالمبادرة التي من شأنها مساعدة المقترضين ولو بجزء بسيط، والتخفيف عن الاعباء المالية لهم، ليصبح لديهم أموال زائدة من الراتب يصرفها بالسوق الفلسطيني ما ينعش السوق الفلسطيني ويشجع على الحركة الاقتصادية، بغض النظر عن المبلغ حتى لو كان قليلا.
ويوافق المحلل الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم راي ابو شكر ، يقول: "المبادرة جاءت استجابة لبعض التذمر الذي سادت في الوسط بسبب رفع البنوك لنسبة الفائدة على بعض القروض نتيجة لارتفاع الفائدة عالميا، حيث زادت الفوائد على القسط الاصلي، وأصبح المقترض يتحمل أعباء اكثر مما يتوقع واصبح ما يقتطعه البنك من اقساط يؤثر على ما تبقى من الدخل المخصص للاستهلاك عن المقترض وهذا شكل عليهم عبء اضافي واصبح البعض يبحث عن مصدر دخل اضافي لتغطية النفقات".
ويتابع: "من هنا جاءت اعادة النظر بأسعار الفائدة وخاصة أن اسعار الفائدة في فلسطين غير مرتبط بشكل اوتوماتيكي بأسعار الفائدة العالمية بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني، وأن كلفة التمويل مرتبطة بالودائع ومعظم تمويلات البنوك التي تمنح على شكل قروض هي ودائع وبالتالي هذه الودائع لم ترتفع الفائدة عليها بالقدر الذي ارتفع على القروض، وهذا وسع الهامش بين الفائدتين وخلق تذمر".
وكلما زاد الهامش بين الفائدة المدينة والفائدة الدائنة كلما أصبح عبء على الاقتصاد المحلي، ومنع نموه وتأثيره.
ويشير أن رفع سعر الفائدة يقلل اقبال الناس على القروض، كما يصبح الانفاق أقل وبالتالي يؤدي الى تباطؤ النمو الاقتصادي.
ويشير عبد الكريم الى ان هناك عوامل أدت الى تباطؤ نشاط القطاع المصرفي، سبقت قرار رفع سعر الفائدة بالبنوك المركزية في العالم، وهي عوامل متعلقة بانتشار كوفيد 19، وعدم وجود مقترضين جدد جيدين، اضافىة الى أن نسبة النمو في التسهيلات تقل.
ويوضح أن ما توفره هذه المبادرة على المقترضين يعطيهم دفعة مالية على قدرتهم الشرائية والانفاق الاستهلاكي فيحرك السوق الاستهلاكي قليلا لكن على المستوى الكلي للاقتصاد لن يكون له تاثير كبير، وخاصة ان فارق هذه المبادرة قد يصل من 40- 50 دولارا ويختلف الفارق حسب حجم القرض.
مواضيع ذات صلة