عاجل

الرئيسية » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 04 نيسان 2023

لحظات الوداع في حضرة الجثامين

نابلس- الحياة الجديدة- بشار دراغمة- "عمو ابعد لي، بدي أحضن بابا، بدي أبوسه، أحضنه، بحبه بابا أنا".. بهذه العبارات تتوسل الطفلة أسيل ابنة الشهيد محمد الجنيدي أبو بكر، المشيعين لإفساح المجال لها لاحتضان جثمان والدها المسجى في ثلاجة الموتى بمستشفى رفيديا بمدينة نابلس، وما ان تصل تلك الطفلة إلى الجثمان حتى تحدث والدها الشهيد عن كم الحب الذي تكنه له، محدثة إياه عن ذكرياتهما معا وعن وعده لها بأنه لن يتركها لأنه يحبها كثيرا، وعن ملابس العيد التي اشتراها لها في ثالث أيام شهر رمضان، خاتمة لقاءها الأخير بعبارة من أمام الجثمان "هيو بابا مبسوط".

الحال ذاته مع عائلة الشهيد محمد الحلاق (21 عاما) المسجى جثمانه بجانب الشهيد الجنيدي، دموع ووداع مؤثر، وحديث عن ذكريات وخصال حميدة للشهيد، صرخ ذلك الطفل بصوت أسكت الحاضرين "وين رايح وتتركني يا محمد" ولا يقطع بكاء ذلك الطفل وعويله سوى صرخات التكبير التي انطلقت في المكان.

بينما والدة الشهيد الحلاق تستذكر اللحظات الأخيرة التي شاهدت فيها نجلها محمد قبل يومين من ارتقائه، حيث جاء إلى البيت للاطمئنان على أولاد أخيه، قائلة: "ابن اخوه وهو طالع قال له: الله معكم يا عمي، هذي الدعوة شلعت قلبي، وتأكدت أنه في شي رح يصير".

تتابع الوالدة المكلومة: "محمد رفض يسلم حاله، أجو على البيت يعتقلوه ورفض يسلم حاله، وقال إنه مشروع شهيد، صبر ونالها".

بينما تداول نشطاء وصية الشهيد الحلاق "التي يطلب فيها من يأتوا من بعده أن يهتموا بوالديه إحسانا، مؤكدا أنه يقاتل في سبيل الله من أجل فلسطين، مسلما بالقدر والدرب الذي سار عليه". كتب الحلاق تلك الوصية بعدما أدرك أن خطر الموت يحيط به من كل جانب.

ينطلق موكب التشييع بمشاركة آلاف المواطنين انطلاقا من مستشفى رفيديا باتجاه ميدان الشهداء، فيما تصر الأم المرابطة الصابرة على أن تكون هي من تحمل جثمان نجلها الشهيد الجنيدي، فتمضي في مسيرة التشييع متقدمة للصفوف، حاملة للنعش على كتفيها، مكررة مشاهد سابقة من تشييع الشهداء في فلسطين، ومعيدة لأذهان المشيعين ما فعلته والدة الشهيد إبراهيم النابلسي خلال مراسم تشييع نجلها، وكأنه قدر أمهات فلسطين أن يحملن أولادهن مرتين، مرة في مسيرة الحياة في أرحامهن وأخرى في رحلة الوداع الأخيرة.

وارتقى الشهيدان الجنيدي والحلاق صباح أمس الاثنين، برصاص الاحتلال في حي المخفية بمدينة نابلس خلال عملية اقتحام واسعة نفذها الاحتلال وتمركزت في إحدى البنايات السكنية التي تم اقتحامها وتفجير أبواب عدد من الشقق على ساكنيها.

نابلس التي تودع الشهداء تباعا ردت على نفسها ثوب الحزن المعهود، وأغلقت المحال التجارية أبوابها وعمت حالة الحداد في كل أرجاء المدينة.