عاجل

الرئيسية » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 12 آذار 2023

يحرقون ممتلكاتنا ويتهربون من التعويض!

حكومة الاحتلال تتواطأ مع المستوطنين ومحاكمه تحجب التعويض عن الضحايا الفلسطينيين

الحكومة الفلسطينية تشكل لجنة لحصر الأضرار في حوارة وتعويض المتضررين

*بوليصة التأمين لا تغطي الأضرار الناتجة عن الأعمال العسكرية وحالات الشغب وغضب الطبيعة

رام الله– الحياة الاقتصادية – ميساء بشارات

أعاد إرهاب المستوطنين الأخير على حوارة والبلدات والقرى المجاورة جنوب نابلس، إلى الواجهة مرة أخرى ملفاً قديماً جديداً، وهو تعويض المتضررين من تلك الاعتداءات التي تطال الممتلكات من سيارات ومنشآت تجارية وبيوت.

في السادس والعشرين من شباط الماضي، نفذ المستوطنون اعتداءات إرهابية واسعة بحماية جيش الاحتلال في بلدة حوارة والبلدات المحيطة بها، أحرقوا خلالها أكثر من مئة سيارة، ومنازل ومحال تجارية، وأشرقت الشمس على المواطنين ليجدوا مركباتهم أصبحت رماداً، العديد منهم لم ينته من تسديد ثمنها، وما هي إلا أيام قليلة من لملمة الجراح واستيعاب ما حدث من إرهاب للمستوطنين، حتى بدأوا التفكير في من سيعوضهم ومن يساندهم.

خسائر فادحة

وبحسب رئيس بلدية حوارة، فإن التقديرات لإجمالي الخسائر المالية الناجمة عن اعتداء المستوطنين قبل أيام تراوحت ما بين 15 -18 مليون شيقل، بما يشمل حرق ودمار المركبات، والمنشآت التجارية ومنازل المواطنين، دون احتساب إغلاق المنشآت التجارية، والحالة النفسية للمواطنين.

وفي الوقت الذي يبقى الملوم الأول عما حدث هو الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه يتملص من أي اتهام ضد جنوده أو مستوطنيه، معتبرا نفسه فوق أي قانون دولي، وهنا تعكس سياسة إسرائيل في كلّ ما يتعلّق بدفع التعويضات للمتضرّرين الفلسطينيين عمق استهتارها بحياة الفلسطينيين، وبسلامة أجسادهم، وممتلكاتهم.

الاحتلال يتملص من مسؤوليته

وحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، توضح هذه السياسة أيضا كيف ترى إسرائيل أنّ سيطرتها على السكّان الفلسطينيين لا تتبعها أيّة مسؤولية من طرفها تجاههم، وتمارس صلاحياتها السلطوية دون تردّد حين يخدم الأمر غاياتها.

ويرى "بتسيلم" أنه في كثير من الأحيان لدى رفع دعاوى تعويضات لدى محاكم الاحتلال ضد حكومة الاحتلال، تتملص برفض دفع التعويضات للفلسطينيين، بتبرير أن ذلك ينبغي أن يُحلّ في إطار ما يسمى "تسويات بين الطرفين لدى انتهاء النزاع"، لكن ذلك يتطلب شرطا وهو أن يكون النزاع بين دولتين متحاربتين. لكنّه احتلال وليس نزاعا.

المختص بالشأن القضائي وحقوق الانسان ماجد عاروري، يقول: "نحن في الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال وتنطبق علينا اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين بما فيها حماية المواطنين وممتلكاتهم وسياراتهم، ولا ينطبق علينا توصيف حالة نزاع مسلح لأنه في هذه الحالة يتطلب من المواطنين الابتعاد عن مناطق النزاع، ونحن لا يوجد عندنا منطقة نزاع محددة ليبتعد عنها المواطن".

ما حدث في حوارة ليس المرة الأولى، فلم يتوقع الشاب حسين مبارك (37 عاما) من مخيم قدورة وسط مدينة رام الله، أنه سيستيقظ ليجد سيارته التي لم يمض على اقتنائها خمسة أشهر، محروقة بقنبلة غاز ألقاها جنود الاحتلال عليها خلال مواجهات اندلعت أثناء اقتحامهم مركز لجان المرأة، الواقع في تلك المنطقة.

يتحسر مبارك على سيارته البالغ ثمنها 160 ألف شيقل، التي احترقت بالكامل، قائلا: "توجهت لشركة التأمين وبدورها رفضت تقديم التعويض بحجة أن وثيقة التأمين لا تغطي حوادث كتلك التي تعرضت لها".

ويضيف مبارك المعيل لأسرة مكونة من خمسة أفراد، ويعتاش من وراء بقالة صغيرة في المخيم: أن شركة التأمين ساهمت بـ20 ألف شيقل من ثمنها بعد ضغط شعبي وإعلامي وتدخل محافظة رام الله والبيرة، بحجة أن البوليصة لا تغطي أعمال ما سمتهم "الشغب واعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه"ـ

كثيرة هي الاعتداءات التي تشبه ما حدث مع المواطن حسين مبارك، بعضها بأيدي جنود الاحتلال وأخرى ينفذها قطعان المستوطنين.

رئيس الوزراء محمد اشتية أعلن تشكيل لجنة وزارية من وزارتي الحكم المحلي والمالية ومحافظ نابلس، للوقوف على الأضرار التي لحقت بأهلنا هناك، بغرض المساهمة في تعويضهم.

توجه حكومي لحصر الأضرار

وقال وزير النقل والمواصلات عاصم سالم في تصريحات مقتضبة، إن سلسلة اجتماعات متتالية ستعقدها اللجنة الوزارية المنبثقة عن مجلس الوزراء لمدة أسبوع، لحصر الأضرار الناجمة عن عدوان المستوطنين وإجرامهم في بلدة حوارة، جنوب نابلس، وستقدم تقريرا مفصلا للبدء الفوري بتعويض المتضررين فور الانتهاء من حصر الأضرار كافة، وتقدير الحصيلة النهائية لها.

وحول دور شركات التأمين، يقول المختص القانوني عاروري "الشروط التي تفرضها شركات التأمين على المؤمنين تستثني الكوارث الطبيعية والأعمال العسكرية، وتعتبر اعتداءات المستوطنين أعمالا عسكرية او أحداث شغب، وهذه الشروط موضحة في عقود التأمين لكن المؤمن لا ينتبه لها إلا وقت الوقوع في هكذا أفعال".

اقتراح بأن تشمل البوليصة الاعتداءات

ويقترح عاروري على شركات التأمين أن يكون ببوليصة التأمين بند يشمل اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه مع إضافة مبلغ مالي على المؤمن من أجل أن يشمله التعويض في حال تعرضه لاعتداء من هذا القبيل.

ويشير عاروري إلى أن الدور الوطني لشركات التأمين أمر مهم جدا، وعليها أن تقوم بدورها الوطني باعتبارها شركات فلسطينية وتحمل مسؤولياتها، ولا أحد منا جميعا يقبل بخسارة الشركات أو إغلاقها لكن لا يعني أن يختصر دورها فقط على حوادث السير.

شركات التأمين ترد

بدوره، يرد نائب رئيس اتحاد شركات التأمين نهاد أسعد على اتهامات شركات التأمين بالتخلي عن مسؤولياتها الوطنية بقوله: "التأمين عادة يغطي أخطارا محددة ومتفق عليها من قبل شركات التأمين، وبوليصة التأمين تستثني أعمال الشغب والحرب والطبيعة واعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين، ولا تستطيع شركات التأمين تغطيتها بناء على شروط الوثائق وشروط إعادة التأمين.

ويضيف أن هذه الأعمال من المفترض أن تكون مسؤولية الحكومات والدول، لذلك شركات التأمين لا تستطيع تغطيتها بناء على شروط الوثائق وشروط إعادة التأمين، وليس كما يشاع أن شركات التأمين تتنصل من مسؤوليتها، نحن شركات وطنية لا نتنصل من مسؤولياتنا.

ويتابع أسعد أن كل ما يقال عن تنصل شركات التأمين من التعويض يندرج تحت قلة الوعي وعدم المسؤولية ودون المعرفة والدراية بشروط عقود التأمين، والموضوع يعود الى طبيعة وثائق التأمين، وطبيعة التغطيات والعقود واستثناءاتها، كما أن العقد شريطة المتعاقدين.

ويؤكد أهمية موضوع التعويضات وأنه بحاجة إلى حل، مشيراً إلى أن العديد من الدول لجأت إلى عمل صناديق خاصة لتغطية الأضرار الناتجة عن هذه الأخطار وشركات التأمين تقوم بالتعويض حسب شروط الوثائق وشروط إعادة التأمين.

ويعود المختص القانوني عاروري، مؤكدا أنه تقع على عاتق الحكومة مسؤولية كبيرة في إيجاد حل للمتضررين سواء عبر إلزام شركات التأمين بشمول التأمين تعويض المتضررين من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، أو أن تقرر هي –الحكومة- بذاتها القيام بهذه المهمة بدلا من شركات التأمين.

وحول تغير بوليصة التأمين، يرى أسعد أنه من الممكن دراسة الموضوع لكنه يحتاج إلى دراسة معمقة، وبيانات دقيقة خاصة، ودراسة احتمالية هذا الخطر لكي يتم عمل وثائق أو تغطيات تتناسب مع هذا الخطر.

ماذا عن أرباح شركات التأمين؟

وحول أرباح شركات التأمين يشير أسعد الى أن ارباح شركات التأمين هي متدنية واقل من القطاعات الخاصة الأخرى، وجميع أرباح شركات التأمين لا تصل الى ربح بنك واحد.

ويوضح أن شركات التأمين هي شركات ربحية أسسها رجال أعمال ورجال اقتصاد الهدف منها تحقيق الربح ويحاسب عليه ملاكها واداراتها ويجب ان تحقق ربحًا وعائدًا على السهم او المساهمين في الشركة عدا عن أن شركات التأمين تدعم الاقتصاد الوطني.

وكانت شركات التأمين العاملة في السوق الفلسطينية والمدرجة في "بورصة فلسطين"، حققت صافي أرباح بعد الضريبة بلغت نحو 23,7 مليون دولار خلال عام 2022.

ويبلغ عدد شركات التأمين المدرجة في بورصة فلسطين، 8 شركات، هي "ترست العالمية للتأمين"، و"العالمية المتحدة للتأمين"، و"فلسطين للتأمين"، و"المشرق للتأمين"، و"المجموعة الأهلية للتأمين"، و"التأمين الوطنية"، و"تمكين الفلسطينية للتأمين"، و"التكافل الفلسطينية للتأمين".

ويشير نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني لشركات التأمين الى أن هذه الأرباح التي حققتها شركات التأمين ليست من أعمال فنية بل من فروقات عملة واستثمار وإعادة تقييم وغيره، فقد دفعت 390 مليون دولار أقساط تأمين، منها ما يزيد عن 255 مليون دولار مطالبات مسددة خلال 2022 كتعويضات للمؤمنين المتضررين سواء من حوادث الطرق أو اصابات عمل أو حوادث ووفيات عمل، أي أن أكثر من ضعفي رأس مال الشركات دفعت كتعويضات للمؤمنين، إضافة الى اكثر من 100 مليون دولار مصاريف ادارية وعمولات مدفوعة، وبلغ حجم الاحتياطيات المتراكمة لعقود التأمين حتى 31/12/2022، 384 مليون دولار.

وينوه الى أن بعض شركات التأمين خسرت في أرباح التأمين لكنها عوضت خسارتها في الاستثمارات فشركات التأمين استثمارية تستثمر أموالها لتتمكن من دفع التعويضات للمواطنين.

ويعتبر أسعد شركات التأمين حامية للاقتصاد الفلسطيني، ويجب التوقف عن حملة التحريض عليها واعطاء الشركات حقها ودورها في الحفاظ على الاقتصاد الوطني، وأن الربح هو الطبيعي وليس تهمة للشركات.

وحول إمكانية رفع شركات التأمين قضايا للمطالبة بتعويض المؤمنين، يقول أسعد إن الشركات لا تستطيع رفع قضايا ضد اعتداءات الاحتلال والمستوطنين، لأنه يجب أن تكون طرفا وذا علاقة لتمثيل المواطن في قضية لا دخل لها فيها من ناحية قانونية.

وتصدر شركات التأمين كتيب وثيقة التأمين، الذي يوجد فيه كل ما يجب معرفته من قبل المؤمن، كالاستثناءات والتغطيات والشروط والموانع في التأمين ويوضع الكتيب في حقيبة وثيقة التأمين، لكن أغلب المؤمنين لا يقرأون الكتيب ولا يطلعون على بنوده، ولذلك يتفاجأون من بعض الأمور عند حدوث أي حادث معهم.