عاجل

الرئيسية » تقارير خاصة »
تاريخ النشر: 08 آذار 2023

حورية فلسطين.. فن يحمل حكاية وطن

بيروت- الحياة الجديدة- هلا سلامة- شتات كان فيه من المواجع ما يكفي لتنبعث في ثنايا مخيلتها وروحها لوحة فنية أرادتها أن تجسد حكاية وطن وشعب شرد من وطنه.. حورية الفار، بالدبكة الفلسطينية بثت الروح الوطنية في الأجيال الفلسطينية المتعاقبة في مخيمات لبنان، وإذ سافرت بالوطن إلى مختلف أنحاء العالم، أكدت على عروبة فلسطين والثورة والشرعية وحق العودة وإنهاء الاحتلال.

حورية، في اللد، كانت الحياة أجمل قبل أن تحدث نكسة الـ1967، ويستشهد والدها طعنا على يد مستوطن، وتهرب صبحية الأم  بأولادها الستة إلى مخيم الوحدات للاجئين في الأردن.

تقول حورية لـ "الحياة الجديدة": "رغم أني كنت طفلة لا يتجاوز عمري التسع سنوات، إلا أن ساعات اللجوء الأولى جعلتني أكبر قبل أواني لأفهم أني لاجئة، وأن الخيمة اضحت بيتي، كل شيء بات غريبا عما تفتحت عيناي عليه في بيت العائلة الأول الذي هجرنا منه في اللد".

رحلة طويلة ومثقلة بالمآسي عاشتها عائلة الفار التي تنقلت بين الأردن وسوريا حتى لبنان في العام 1970،  سكنت الأم وولداها أحمد وموسى في منطقة صبرا، بينما احتضن بيت إسعاد الطفولة الذي كان يرعى أطفال شهداء الثورة الفلسطينية أولادها حورية وهيام وعلي وعمار.

تضيف حورية: "في بيت إسعاد الطفولة، تقاسمت مع مئات الأطفال الفلسطينيين والعرب مشاعر اليتم والغربة عن الوطن، ولطالما نجح الكادر التعليمي والإداري في تبديدها عن طريق إيلائنا الاهتمام والرعاية الكاملين، كل ذلك كان تحت إشراف منظمة التحرير الفلسطينية التي كان قادتها يتواصلون معنا بشكل مباشر عن طريق زياراتهم المتكررة والودودة، كان الرئيس أبو عمار يشاركنا الإفطار في اليوم الأول من شهر رمضان ويسكب لنا الطعام بنفسه".

دخلت حورية في القسم المهني من المدرسة الداخلية وتعلمت الخياطة والرسم، قبل ان يُكلف فنان الثورة الفلسطينية عبد الله حداد بتشكيل فرقة فنية من الطلاب ويختار حورية من بينهم، تقول: "كانت الموسيقى هي علاجي النفسي بعد استشهاد أمي في دروب النضال الوطني بعد أبي ومن ثم أخي موسى في حرب المخيمات، الفرقة ساعدتني وعززت ثقتي بنفسي".

شاركت حورية من خلال الفرقة بعدة احتفالات في بيت إسعاد الطفولة وكانت أول فتاة عربية تعزف على آلة الغربي، كانت تعلم الأطفال الأغاني والموسيقى وتعوض بهم كل حرمانها،  فهم مثلها لاجئون أيضا من بلاد ومخيمات عديدة.

في أواخر الـ١٩٧٦ تركت حورية بيت إسعاد الطفولة والتحقت بمؤسسة المسرح والفنون الشعبية التابعة للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في عهد الحاج مطلق، غادرت إلى تونس وبدأت هناك تمارس عملها الفني.. أقفل بيت إسعاد الطفولة مع بداية الاجتياح الإسرائيلي، والتحق إخوتها بمدرسة عدرا في سوريا قبل أن ينتقلوا إلى دول مختلفة أنجزوا فيها اختصاصاتهم.

عادت حورية إلى لبنان في العام ١٩٨٧ لتحتضن أولادها وهيبة وهيثم بعد حرمانها منهم عقب الطلاق والتحقت بالفرقة الفنية التابعة لحركة فتح، وفي العام ١٩٨٩ انتخبت عضو هيئة إدارية في الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين وبدأت بتأسيس فرقة "الكوفية" بعد تشكيل المسرح الوطني للاتحاد، وقدمت عدة مسرحيات (الفراشة المسلحة، أم سعد، حكاية عوض... وفيلم "الانتظار" للمخرج رشيد مشهراوي بالتعاون مع "الكوفية".

تتابع حورية: "لأني كنت طفلة وعانيت اليتم واللجوء كنت أفتش في مخيم عين الحلوة عن الأطفال الذين يعانون مشاكل اجتماعية، الأيتام، المتسربين من المدارس، انطلقت من بيتي المكون من غرفة صغيرة في المخيم بالخطوات الأولى لتأسيس فرقة الكوفية، جمعت بداية سبعة من أولاد الحي، وبدأت بتعليمهم الدبكة في النهار وفي الليل أخيط لهم الملابس بعد أن حصت على قرض بقيمة 250 ليرة".

كوفية حورية تخطت حدود المخيم الذي ابتدأت حفلاتها فيه لتنتقل إلى صيدا وطرابلس، وتشارك في المهرجانات الوطنية، سافرت إلى إيطاليا وإسبانيا وقطر ودول عديدة، وبترشيح من الرئيس أبو مازن، ومن خلال سفارة دولة فلسطين في لبنان ومجلس سفراء العرب وسفير دولة فلسطين في البرازيل قدمت الفرقة أيضا عروضها الفنية في البرازيل.

حصلت الفرقة على عدة جوائز أبرزها مقدمة من اللجنة الوطنية للتربية والثقافة، كانت عبارة عن الدخول إلى أرض الوطن وتقديم عرض في مسرح رام الله الثقافي، ووصلت إلى الدور نصف نهائي في برنامج المواهب العربية Arabs Got Talent.

حورية الفار التي خرجت ١٩ جيلا فلسطينيا على مدى 30 عاماً، توضح أن هدفها الأول كان الحفاظ على الهوية الثقافية التراثية لفلسطين، وحماية أطفال فلسطين من آفات المجتمع وحمايتهم من خلال التأسيس الوطني، الهوية والموسيقى.

حورية الفار ليست إلا نموذجا عن المرأة الفلسطينية التي تتحدى ظروف القهر والاضطهاد لتحقق النجاح الذي يخدم وطنها ومجتمعها، ما زالت تدرب الأطفال في روضة هدى شعلان التابعة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان في  مخيم عين الحلوة في صيدا وقد حصلت من الدولة اللبنانية على علم وخبر لجمعية "إحياء التراث اللبناني الفلسطيني – فرقة الكوفية"، كما تشغل موقع أمينة سر المكتب الحركي الفني في صيدا، وهي وعضو هيئة إدارية في الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين.

تختم حورية لـ "الحياة الجديدة": "زرعنا الوطن في أطفال الشتات من خلال لوحة يقدمونها على المسارح، هي رسالة للشعوب أننا أصحاب أرض وحقوق، لنا تاريخ وهوية، وتبقى "الكوفية" عنواننا.