عاجل

الرئيسية » ثقافة »
تاريخ النشر: 03 كانون الأول 2022

عبد العزيز المقالح .. لك القصيدة ولنا غصة القلب

«فوق ضريح عبد الناصر»

 

 هنا ينام متعباً

من أتعب الأيام والفصول

من عبرت خيوله فوق جبين الشمس والزمن

فما ونى ولا وهن

حتى ونت من تحته الخيول

واستسلمت لراحة الكفن

فآثر القفول

ونام موهن البدن

***

من أيقظ العيون

... هنا

ينام متعب الجفون

***

بالأمس مرّ في سمائنا

على جواد الفجر كالصباح

أيقظنا من الخدر

مرّ بكفه فوق مواقع الجراح

قال لنا: أنتم بشر

كنا نسينا أننا بشر

وأن شمسنا مشلولة الجناح

فاستيقظت سهولنا، وانتفض القدر

على جبالنا المجنونة الرياح

يا اخوتي هل تذكرون حين مر

كيف بكى حزناً على «بلقيس» و «بن ذي يزن»

ماتا فلم يضمهما قبر ولم يسترهما كفن

كان على سفر

فثار واستقر

وصاح في الأطلال والدمن

ثوري، تحركي

فثارت الأحجار والشجر

وثارت اليمن

***

تناثرت من حولها سجون «القات» والكهوف

تقاطرت من قبرها الالوف

والفارس الذي أيقظها ممتشقاً حسامه

يضرب وجه الليل والإمامه

ويسحق (الأقزام) والسيوف

وخلفه، أمامه

تشتجر الأخطار والحتوف

لا الليل .. لا عواصف الشتاء

و لا زئير الرمل والجبال

تثني حوافر الجواد الممعن التحليق في الفضاء

تهز ذرة احتمال

عبر يقين الفارس المتشح الضياء

حتى تكسرت على طريقه النصال

واحترقت كهوف الليل والفناء

ولامس الجبين الأسمر السماء

***

وبعد ألف رحلة ورحلة إنتصار

يعود للديار فارس النهار

يعود متعباً ليستريح

لينفض الجراح والغبار

هنا على جوانب الضريح

وفي غد يستأنف المسار

من جوف قبره يصيح

متابعاً بقية الحوار

************

العجوز والمقهى

 

الرجلُ العجوزُ

ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى

وحيداً

يكتب الشعر الحديث

لا يكلم الناس

ولا يكلمونه

فروحهُ مشغولةٌ

بالبحث عن قراءةِ المعنى

وعن شفافية العبارةْ.

٭٭٭

الرجلُ العجوزُ

ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى

وحيداً

بين يدية رزمةٌ من الأوراق

في بياضها

يرى قصيدةً لم تكتمل

وغِزلاناً من المعاني

ووعولاً شارداتٍ

في براري الكلمات النافرةْ.

٭٭٭

الرجلُ العجوزُ

ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى

وحيداً

لا يرى عيونَ امرأةٍ

تطل من نافذة البيت القريب

تحتفي بهِ

تومي له بمنديلٍ

من الحريرِ الأخضر

الشفيفْ.

٭٭٭

الرجلُ العجوز

ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى

وحيداً

يشتكي العزلةَ

يبكي وجعَ الروح

ويخشى أن يرى الناسُ

دموعَهُ

وما تكتبه على طاولة المقهى

من الأحزان.

٭٭٭

الرجلُ العجوزُ

ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى

وحيداً

شارداً

يحكُ بين لحظةٍ وأخرى

رأسَ عصاتهِ

كأنه يهم أن يشج

وجهَ الريح

أو يحارب الهواء.

٭٭٭

الرجلُ العجوزُ

ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى

وحيداً

قبل غروب الشمس

هل يحزنه غروبها؟

يوحى له

بأن عمره الحافلُ بالأحلام

والخيبات

في طريقه إلى الأفول.

******************

« هابيل الأخير»

هابيل ...

كم عام مر وأنت قتيل

مطروح في الطرقات

تبحث عن حفار قبور بين الأموات

قابيل الآثم حين رآك

مقتولاً فر إلى البحر

ابتلعت الأسماك

وبقيت بلا قبر - وحدك - يبكي الجسد العريان خجلاً

وتمر حواليه الغربان

علّ بقايا إنسان

يشهد رحلتها اليومية

كيف توارى في حزن موتاها

في رعبٍ قتلاها

لكن العام يمر

تتعاقب حول الجثة أعوام

والجسد العاري الحر

مطروح في الطرقات

تسطو الديدان على عينيه

تثني سوأته الريح

تنزو حشرات الليل عليه

وتسير على الوجه الظلمات

لو كنت القاتل يا هابيل

ما كنت بلا قبرٍ

كان البحر أو النيل

قبراً يخفي وجهك من ضوء الشمس

عن حزن الأمس

فتحسس خنجرك المسموم

أغمده بلا خوف

افتح قلب أخيك المحموم

إني أدعوك لكي تبقى أنت القاتل

أنت الضارب وجه الباطل

هابيل ...

أقتل ...

أقتل اياك تقول:

أنا المقتول

أنا المقتول