عاجل

الرئيسية » ثقافة »
تاريخ النشر: 12 تشرين الثاني 2022

"مايكسابيل".. هل يمكن أن نسامح جلادينا؟!

علياء طلعت

الفيلم الإسباني "مايكسابيل" (Maixabel)، الذي جاء عرضه الأول خلال مهرجان سان سيباستيان السينمائي، وعُرض ضمن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان أيام فلسطين السينمائية الدولي، مؤخراً، وكان حاز على العديد من الجوائز والترشيحات، يتناول قضية تبدو سياسية، ولكنها في لُبِّها إنسانية بالدرجة الأولى.

"مايكسابيل" هو الاسم الأول للشخصية الرئيسية للفيلم، زوجة سياسي في إقليم الباسك ذي الحكم الذاتي في إسبانيا، يتم اغتياله على أيدي ثلاثة من أعضاء منظمة "إيتا" (ETA) الإرهابية. تنهار البطلة مع ابنتها، ثم تبدأ في إعادة بناء حياتها مرة أخرى لتصبح مديرة لمكتب إقليم الباسك لضحايا الإرهاب، وتصبح حياتها كذلك مهددةً من ذات المنظمة.

سيناريو الفيلم يتبع أسلوب بناء رحلة بطل، وفي المعتاد هذا البناء يرتكز على عدة مراحل تمثِّل قيام الشخصية الرئيسية برحلة تجاه هدف، يتغير خلالها، وتكتسب حلفاء وأعداء، وتحقق في النهاية السلام للجميع من حولها، ولكن رحلة البطلة هنا تختلف؛ فهي داخلية، والبطلة في النهاية لا تواجه تنّيناً تقضي عليه، فالوحش هنا مجاز عن الخوف والقلق والحيرة والفقد.

"مايكسابيل" الأرملة التي فقدت شريك حياتها منذ كانت في السادسة عشرة من عمرها شغلت وقتها بنفس نضاله السياسي، وبينما لم تجد السلام الذي تسعى إليه روحها، فقد جاء الأمل على يد أبعد الناس عن تفكيرها، على يد جلاديها أنفسهم، القتلة الذين أزهقوا روح حبيبها لأسباب أيديولوجية وسياسية.

واحدة من عمليات تأهيل المجرمين تكون بمساعدتهم على طلب الغفران من المذنبين بحقِّهم، وخلال فترة سجن اثنين من القتلة أعادا التفكير في الجرائم التي اقترفاها، وندما على خيارات الحياة الخطأ التي اتَّخذاها، وطلبا لقاء مايكسابيل ليعتذرا لها وجهاً لوجه، عسى أن يصحِّحا بعض الشيء مما لا يمكن محوه بالكامل.

يتناول الفيلم فكرة التسامح وكيف يمكن أن تغير الحياة، فالمجرمان ليسا فقط هما من تحررا من الذنب بطلب السماح، ولكن البطلة نفسها شعرت أنها حرة لأول مرة بعد وفاة زوجها عندما علمت القصص الشخصية لقتلته، لم تتعاطف معهم، لم تنسَ ذنوبهم، لكن فهمتهم بشكل صحيح. اعتمد سيناريو فيلم مايكسابيل على أحداث تاريخية، ففي عام 2000 اغتيل السياسي الباسكي خوان ماريا جوريغي على يد جماعة الباسك المستقلة، وقامت زوجته بنفس الرحلة التي خاضتها بطلة الفيلم.

النقطة الأقوى في "مايكسابيل" هي السيناريو الخاص به، والأسلوب الدقيق الذي يعرض الوضع السياسي الإسباني في إقليم الباسك، حيث شبح الإرهاب ما زال حاضراً إلى حد بعيد، ولكن حتى اليوم لا زال الكثيرون يفضلون دفن الانقسامات الإسبانية بدلاً من مناقشتها، الأمر الذي جعل البعض يهاجمون الفيلم، بعد عرضه، على منصة تويتر.

يسعى الفيلم وراء الفهم، وليس الغفران للأشخاص الذين اعتبرهم الآلاف قتلة، ولكن في الحقيقة قد يكونون ضحايا لأيديولوجيات قاتلة، ومن هنا جاء ذهول البطلة عندما عرفت أن هؤلاء القتلة لم يعرفوا حتى هويَّة ضحيتهم عند القيام بالجريمة، فهم لم يحملوا عداء شخصياً أو سياسياً معه، هم ليسوا سوى أداة في أيدي المنظمة التي انتموا لها، وهو الأمر الذي عرفوه بعد ذلك، وبسببه تمرَّدوا على ماضيهم، وعلى ما اعتنقوه من أفكار خطأ في الماضي.

تنتهي أحداث فيلم "مايكسابيل" بالإعلان عن نهاية منظمة (ETA)، ومشهد لمجموعة من أقارب ضحايا الإرهابيين واقفين عند النصب التذكاري يغنون أغنية باسكية.. أحد هؤلاء الممثلين كانت مايكسابيل لاسا، أرملة خوان ماريا جوريغي الحقيقية، المرأة التي اختارت رؤية العالم باللون الرمادي بدلاً من الأبيض والأسود، وحاولت تأمل الجانب الآخر من المأساة، حيث وجهة نظر القتلة والسفاحين لا وجهة نظر المجتمع والقانون.