مؤشرات حول استخدام مبيدات زراعية "خطرة" في طوباس
* شهود عيان: مزارعون يرشون مزروعاتهم بالمبيدات "المحرمة" ليلا ثم يتخلصون من العبوات لإخفائها عن أعين "الرقابة"
*عند غلاء الأسعار.. حبة البندورة الصغيرة توضع لها خميرة لتكبر في زمن قياسي ويبقى داخلها فارغًا!
*مهندس زراعي: لا يلتزمون بفترة الأمان الزمنية لكل مبيد ويصعب على الجهات الرقابية الكشف عن ذلك
*لجنة مختصة من وزارات "الزراعة" و"الصحة" و"الاقتصاد" تصدر سنويا قائمة بالمبيدات المسموحة في فلسطين تحتوي طريقة الاستخدام وفترة الأمان
*الاحتلال يتعمد عن طريق المستوطنات تسريب مواد وأسمدة كيماوية سامة تستخدم لمحاصيل ليست للاستخدام البشري
*زراعة طوباس: لا نستطيع معرفة مدى التزام المزارع بفترة الأمان ويعود ذلك إلى ضميره
تحقيق إسلام أبو عرة
تتحول قطعة الأرض المزروعة بالخيار من اللون الأصفر إلى الأخضر الذي يشبه لون النعنع، ولكن كيف يتحول الأصفر الباهت إلى أخضرٍ منعش؟
يُجيب على هذا السؤال المزارع (م.ع) من محافظة طوباس والأغوار الشمالية: ثمة مزارعون يرشون مبيدات ممنوعة توضع على الخيار والكوسا والبندورة، ومنها "الكوشك" و"الروجر" و"الكفندور" عاليات السمية ويعتقد أنهن من مسببات مرض السرطان، فقطعة أرض الخيار تكون صفراء بعد يومين بترجع نعنع! ويأتي علينا صاحب المزرعة ممنوع أكل الخيار لمدة ثلاثة أيام؛ ويعلل ذلك بأنه رشه بدواء سام، والغريب أننا نقوم باقتطاف ثمار الخيار، ليبيعها صاحب المزرعة للمصانع والتجار.
وأوضح أنهم يرشون الخيار بنوع مبيد دواء اسمه "اشلكان".
وبين: "أن من يملك المزرعة يقوم أثناء الليل برش هذه المبيدات، عن الطريق الري مع المياه، أو الرش مباشرة، ويحرقون العبوات ليلاً؛ لإخفائها من المزرعة، لعدم كشف أمرهم عندما يأتي موظفو الرقابة من مديرية الزراعة.
من جهته، قال المزارع (س.ل) الذي يعمل في قطف الخضراوات "الخيار والبندورة، والكوسا" في الأغوار الشمالية: إن هناك عددا من المبيدات التي يتم استخدامها مع الخضار منها للاصفرار، وللورق والدودة والمن، وهذه المبيدات المستخدمة مسموحة من قبل وزارة الزراعة والجهات المختصة؛ لكن أصحاب مزارع للأسف لا يلتزمون بفترة الآمان الخاصة لكل مبيد عند قطف الخضراوات.
أكبر منطقة زراعية بالضفة
ويبلغ مجموع المساحة الكلية لأراضي محافظة طوباس والاغوار الشمالية 410 كم²، وتبلغ المساحة الصالحة للزراعة (عالية ومتوسطة القيمة الزراعية) نحو 162,107 دونمات أو ما نسبته 39% من المساحة الكلية للمحافظة، في حين تبلغ مساحة الأراضي التي هي بحاجة إلى استصلاح زراعي حوالي 82,000 دونم أغلبها مناطق (ج)، أما بخصوص المساحة المزروعة فتبلغ حوالي 95 ألف دونم وتشكل المساحة البعلية 58.5% من المساحة المزروعة، فيما تشكل المساحة المروية 41.5% من مجموع المساحة المزروعة، إن مساحة الأراضي التي يمكن اعتبارها أراضي مراعٍ وغابات ومحميات طبيعية وحراج حكومي تبلغ 165 ألف دونم، مساحات المراعي ,5300 دونم غابات، ومحميات رعوية 3,000 دونم، و2,200 دونم حراج، حسب بحث صادر عن وزارة الزراعة لعام 2019م تحت عنوان "خطة تنمية العنقود الزراعي في محافظة طوباس والأغوار الشمالية" .
وتعتبر محافظة طوباس والأغوار الشمالية أكبر منطقة زراعية في الضفة، خاصة زراعة البطاطا والبصل والخيار الربيعي والكوسا والبندورة، حيث تميزت محافظة طوباس والأغوار الشمالية بين المحافظات بأعلى مساحة محصول مزروع بالبطاطا لعام 2021م بمساحة 7,625 دونم، وهو ما يجعلها تسمى "سلة خضراوات فلسطين".
وتشتهر المحافظة بالزراعات المروية والبعلية وتربية المواشي حيث المساحة الأكبر للمراعي وتتميز بإنتاج محاصيل تصديرية مثل النباتات الطبية والبطاطا الصناعية ومختلف أنواع الخضار للسوق الداخلي وللأسواق العربية والدولية في بعض الأحيان، وتصدر منتجاتها إلى 22 دولة في العالم بالإضافة إلى انتاج المحاصيل الحقلية من القمح والشعير والحمص والبيقيا.
فترة الأمان يبلعها طمع ملاك الأراضي
يقول مهندس زراعي "أ.ب" والذي يعمل بإحدى شركات الأدوية: "المزارعون لا يلتزمون بفترة الأمان الزمنية لكل مبيد، فهناك مبيدات فترة الأمان لها 3 أيام و15 يومًا و30 يومًا و90 يومًا، لكنهم يبيعون المحصول قبل انتهاء فترة الأمان للاستهلاك البشري، ولا تستطيع الرقابة في وزارة الزراعة الكشف عن فترة الأمان لأنها عملية صعبة جدا بل شبه مستحيلة.
ويضيف: "هناك كميات محدودة لكل دونم 3 كيلو/ لتر، لكن المزارعين يضعون أكثر من ذلك، ولا يلتزمون بتعميمات المهندسين الزراعيين، ويؤدي ذلك إلى مضار كبيرة على صحة الإنسان لأنه كلما زادت الكمية زاد تركيزها وتركيز ما تحتوي من مواد، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى حرق المحصول.
وأوضح: أن وزارة الزراعة لا تستطيع مراقبة كل مزارع والكمية الواجب وضعها على كل دونم، فالعملية صعبة جدا وشبه مستحيلة.
وتابع المهندس: أن هناك 300 مبيد مسموح تداولها في فلسطين بناء على ما تقرره سنويا اللجنة المختصة بالمبيدات بوزارة الزراعة والمكونة من وزارتي الصحة والاقتصاد الوطني، وسلطة البيئة، فتجري عملية دراسة للمسموح والممنوع كل عام، حيث يصدر كل عام قائمة بالمبيدات المسموحة في فلسطين ويحتوي طريقة الاستخدام وفترة الأمان والكمية الواجب وضعها لكل دونم.
ويكشف: "هناك مخالفات ومواد وأسمدة كيماوية مهربة خاصة من مناطق "c" والمستوطنات، أما شركات الأدوية لا يوجد فيها مواد مخالفة وتلتزم بنشرات وزارة الزراعة والمواصفات والمقاييس.
ويقول المهندس الزراعي: "كشركة أدوية نعطي التعليمات للمزارع كيفية الاستخدام وكمهندسين زراعيين، وزارة الزراعة توزع دليلاً فيه المبيدات المسموحة وطريقة الاستخدام وفترة الأمان، وبعدها يعود لضمير المزارع.
وبين: "أن هناك مواد ممنوعة من الاحتلال ومواد محرمة، والممنوعة مثل الكبريت، والمحرمة كالكوشك لكنه يدخل إلى الأراضي الفلسطينية عن الطريق التهريب لأنه موجود في إسرائيل، لكن لا يستخدم للاستهلاك البشري فيها.
ممنوعة في مناطق السلطة الوطنية
من جهته يقول المهندس الزراعي "ن.م" يعمل في مدينة أريحا والأغوار الشمالية: إن فرضية أن هناك مبيدات مسموحة لدى "إسرائيل" وممنوعة لدينا خاطئة، الصحيح أن المبيدات الموجودة لدينا ولدى إسرائيل ذاتها، قبل عامين اعتمد الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية قائمة مبيدات غير مسموحة الاستخدام، ومنعتها وزارة الزراعة الفلسطينية مباشرة، أما وزارة الزراعة الإسرائيلية سمحت باستخدامها لنهاية عام 2022م وبعدها سيتم منعها.
ويوجد هناك مبيدات لا يوجد لديها وكالات في فلسطين، لرفض شركات الأم منحها للسلطة الوطنية، وموجودة في "اسرائيل" والأردن وهي مسموحة لدينا ومن قبل منظمة الصحة العالمية ويتم تهريبها من خلال مناطق" C" والأغوار أو من الأردن.
وأوضح: أن الخيار يكون أصفر ذبلان ويصبح أخضر مثل النعناع شيء طبيبعي حيث يمكن تزويده بسماد أكثر يعيد له خضرته".
وأكد: أن المبيدات الموجودة اليوم بأغلبها مبيدات آمنة صحيا، مع ضرورة الالتزام بفترة الأمان الموضحة بالنشرة لكل مبيد، الذي لا يلتزم بها مزارعونا للأسف.
"مبيدات بلا وكالة"
قال صاحب مزارع للخضار والأعشاب الطبية في بلدة الفارعة قضاء طوباس: إن أصحاب المزارع يلتزمون بفترة الأمان الموضحة بنشرة كل مبيد والكميات المحددة لكل دونم، ولا نستخدم مواد كالكوشك أو أي مبيدات ممنوعة، ولا نستخدم أي نوع مبيدات غير مسموح استخدامه من وزارة الزراعة.
وأوضح: أن هناك أنواع مبيدات غير موجودة في الضفة لعدم وجود وكالة في الضفة الغربية لاستيرادها، فالمزارع يخرج للأردن لجلبه مثل: اكزد والبايدن، وهذه الأنواع وغيرها تستخدمها إسرائيل، ولا يوجد بهذه الأدوية أي مضار صحية إلا أنه لم يمنح لفلسطين وكالات لمثل هذه الأنواع من الأدوية، فهو ممنوع لدينا لأنه لا يوجد وكيل بفلسطين، أو يوجود به مواد متفجرة يمكن استخدامها للمتفجرات فتم منعه لدواع أمنية.
وبين "أن مديرية الزراعة في محافظة طوباس تعمل على إرشادنا وتوعيتنا بالكميات الواجب وضعها لكل دونم، وبفترة الأمان لكل مبيد، وتوزع دليلاً سنويًّا يحتوي المبيدات المسموحة وكيفية استخدامها.
وتطرق لعدد من التحديات التي تواجه المزارعين: من ارتفاع المواد الخام وتكلفة النقل والكهرباء، وعدم وجود أسواق جديدة، عدا عن الخضراوات الاسرائيلية ومزروعات المستوطنات، ونقص الأيدي العاملة التي تفضل التوجه للعمل في "إسرائيل" لارتفاع أجرة العامل عن الضفة بثلاثة أضعاف، فيومية العامل بـ"اسرائيل" 400 شيقل فلن يترك العامل ليعمل لدي بـ100 شيقل.
وتابع: أنه لا يوجد تأمينات على المحاصيل الزراعية ولا تعويضات من قبل وزارة الزراعة لدعم صمود المزارعين، وهناك كثير من المزارعين يوقفون زراعتهم ويخرجون إلى العمل في "إسرائيل" تاركين وراءهم مزارعهم، ففضلوا العمل في الداخل مقابل 10 آلاف شيقل شهريا دون مخاطرة، بدفع تكلفة مقدارها 50 إلى 100 ألف شيقل وقد ينجح المحصول أو قد يفشل، مناشدا وزارة الزراعة والجهات المختصة إيجاد حل لهذه المشاكل.
المبيدات الممنوعة موجودة
قال فايز دراغمة رئيس قسم الخضار والزراعات المروية في مديرية زراعة طوباس والأغوار الشمالية: إن مساحة الخضراوات في محافظة والأغوار الشمالية 6000 دونم زراعة مكشوفة، وزراعة محمية 2500 دونم.
وعن التزام المزارعين بفترة الأمان أوضح دراغمة: أن ما يقارب 80% من المزارعين ملتزمون بفترة الأمان، لكن يوجد مزارعون للأسف غير ملتزمين، ونحن في مديرية زراعة طوباس نقوم بإرشاد وتوعية المزارعين بالكميات الواجب وضعها لكل دونم، وبفترة الأمان لكل مبيد، ونوزع دليلاً سنويًّا يحتوي المبيدات المسموحة وكيفية استخدامها.
وبين دراغمة: أنه لا نستطيع معرفة هل يلتزم المزارع بفترة الأمان "منذ رش المزروعات حتى بيعها للمستهلك"، فيعود ذلك إلى ضميره فنحن علينا إرشاده وإعلامه بالكمية لكل دونم وبضرورة الالتزام بفترة الأمان.
وعن المبيدات المسوحة وغير المسموحة بين فايز أن المبيدات المسموحة في فلسطين تمنح من لجنة علمية مختصة، بناء على أسس علمية وعلى المادة الفعالة للمبيد، وما مدى نسبة ضررها على الزرع وبالتالي المستهلك.
وأوضح دراغمة أن مديرية زراعة طوباس تقوم بما يقارب 8 جولات أسبوعية على المزارع، كل يوم في منطقة معينة من المحافظة، لا يتم تغطيتها بالكامل، لكن نقوم بجولات على أكبر منطقة ممكنة، وهناك رقم لوزارة الزراعة أي مزارع لديه استفسار يقوم بالتواصل معنا، ونقوم بجولات دورية على محلات المبيدات الزراعية والكادر الوظيفي في مديرية الزراعة كاف لمراقبة ومتابعة المزروعات والمزارعين في المحافظة.
وبين فايز: أن فرق الرقابة من موظفي مديرية الزراعة يقومون بأخذ عينات عشوائية من المزروعات في المحافظة وبعثها للمختبر، ومن يثبت في تحليل المختبر أنه مخالف لشروط السلامة والصحة في رش المبيدات يحول إلى القضاء.
وكشف دراغمة: أن عمليات التهريب والإدخال لمبيدات ممنوعة للأسف موجودة ونحن في وزارة الزراعة بالزمالة مع الجهات الحكومية الأخرى المختصة نعمل جهدنا لوقف تهريب المبيدات غير المسموحة.
وأضاف فايز: أن هناك تعاونا وثيقا بين وزارة الزراعة والضابطة الجمركية، وحين يتم ضبط كميات من المبيدات المهربة من المستوطنات ومن داخل الخط الأخضر لا تحمل أوراقًا رسمية ولا وسم وزارة الزراعة ولم تخضع للإجراءات اللازمة يتم التواصل مع الجمارك وفي حال ضبطت الجمارك هذه المبيدات المهربة تقوم بالتواصل معنا، ويتم تحويل المهربين والمضبوطات إلى النيابة العامة والقضاء، لكن حجم تهريب المبيدات اليوم قليل جدا بسبب أن هناك رادعا للمهرب متمثلا بغرامة مالية وسجن ستة شهور، فقبل ذلك كان يتم مصادرة المبيدات المهربة فقط.
ورد دراغمة على أن الخيار (يكون أصفر ذبلانا وفي الصباح يكون أخضر مثل النعناع) بأن الخيار شتل حساس ويكون في النهار وخاصة في الظهيرة بيت الخيار عطشانا وذبلانا، فيكون في حالة إجهاد من تأثيرات الجو فليس له علاقة بالهرمون ولا المبيدات.
تعاون وثيق
قال المقدم إبراهيم عياش مدير العلاقات العامة والاعلام في جهاز الضابطة الجمركية: إن الجهاز يعمل على ضبط المبيدات القادمة من المستوطنات أو غير الحاصلة على التراخيص اللازمة من وزارة الزراعة والجهات ذات الاختصاص، وهناك تعاون وثيق بين وزارة الزراعة والجمارك لمراقبة ومتابعة هذه المبيدات ودخولها الأسواق الفلسطينية ومحاولة ضبطها قبل وصولها للمزارعين للاستخدام، من خلال الحواجز والجولات والعمل الاستخباري ونقوم بتحرير محاضر الضبط وتسليمها للأخوة في وزارة الزراعة كجهة اختصاص.
وأوضح عياش: أن هناك تحديات كبيرة تواجه الضابطة الجمركية في عملها في مناطق الأغوار ومناطق "c" من حرية العمل والتحرك والخروج لهذه المناطق بحاجة لتنسيقات، على الأغلب سلطات الاحتلال لا تقدمها، فنلتف على هذا المنع بطرق أخرى كجولاتنا أو مساعدة الأجهزة الأمنية الأخرى المساندة لنا، مشيرا إلى أنه تم ضبط مبيدات غير مصرح بها اثناء محاولة تهريبها بمناطق "c" ويتم تسليمها بمحاضر رسمية للجهات المختصة بحضور النيابة والأخوة في وزارة الزراعة.
وأضاف عياش: أن المبيدات المضبوطة غير قانونية، ومصادرها متنوعة من المستوطنات أو "إسرائيل"، أو مستوردة من الخارج وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس.
وكشف إبراهيم: أن من التحديات التي تواجه جهاز الجمارك أن الكادر قليل، فعدد الكادر من مدير الجهاز حتى أصغر رتبة هو ألف شخص، لكن إيمانا بعدالة ما نقوم به وبرسالتنا لحماية أبناء شعبنا وتوفير الأمن الغذائي والرزاعي، وتعزيز صمود المزارع على أرضه ووطنه، فالضباط يقومون بعدد من المهام حتى نتغلب على نقص العدد.
مواضيع ذات صلة