عمليات الطعن تثير الجدل في أخلاقيات الطب الإسرائيلي
الحياة الجديدة – ترجمة أمل دويكات - تحت عنوان "العنف يثير الأخلاقيات القتالية لمهنة الطب في إسرائيل" كتبت مجلة (+972) الإسرائيلية الإلكترونية إنه قد أصبحت المؤسسة الطبية الإسرائيلية تتعرض لهجوم شرس من أجل الالتزام بالمبادئ الأساسية لعلاج الجرحى بغض النظر عن مَن هم وماذا فعلوا.
لكن حاليا ومع التصعيد المتنامي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تضيف المجلة، أنه لا توجد إشارات تدل على التراجع في هذا الأمر، وأن قضية الأخلاقيات الطبيّة وجدت نفسها في مركز جدل الرأي العام الإسرائيلي.
وثارت هذه العاصفة، وفق المجلة، بعد قرار النقابة الطبية في إسرائيل "IMA" بوجوب الالتزام بتنفيذ المعايير المتفق عليها دولياً في الحياد الطبّي في موقع الحوادث وما وصفتها بـالهجمات "الإرهابية"، وأهمها المعيار الذي ينص على معاملة المرضى والجرحى دون تمييز حتى في أوقات النزاع. وبموجب هذا المبدأ يتعين على القائمين بالمهمة الطبية أن يسعوا للحفاظ على الأرواح بكل ما أوتوا من جهد، بغض النظر عن الخلفية والهوية وتصرفات المريض.
وبحسب المجلة، بدأت عاصفة الجدل العام بعد النقاش المحتدم الذي دار مؤخراً في الإذاعة الإسرائيلية بين رئيس جمعية نجمة داود الحمراء إيلي بين، ورئيس منظمة متطوعي العمل الطبي المجتمعي (ZAKA) يهودا زهاف، حول من ينبغي أن يُعالج أولاً في مكان الحدث.
ودافع "بين" عن الحيادية الطبيّة، قائلاً إن القاعدة التي تسير عليها جمعية نجمة داود الحمراء هي "علاج الشخص ذو الإصابة الحرجة أكثر، والذي يتعرض لخطر يهدد حياته، بغض النظر من هو المهاجِم ومن هو الضحية".
وردّ زهاف على ذلك بقوله إنه إذا كان المصاب إرهابياً، فيجب عدم مساعدته على الإطلاق، فما بالك أن يتم علاجه قبل الآخرين!
وعقب المناقشة، قال مدير التوعية العامة في مؤسسة "أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل" هداس زيف إنه بحث في مسألة أبعد من ذلك، ووجد ورقة صدرت عن نقابة الأطباء الإسرائيلية عام 2008 جاءت فيها عبارة مثيرة للقلق، على حد قوله، وهذه العبارة تسمح لممارسي المهن الطبية علاج الضحايا أولاً تحت مبدأ "الخير يبدأ من الداخل".
وقال زيف لمجلة (+972) إنه كتب شكوى لنقابة الأطباء الإسرائيلية أوضح فيها أن هذه العبارة تنتهك حيادية العمل الطبي، مضيفاً أن عبارة النقابة "لا يوجد لها مثيل في أيٍّ من مواثيق الأخلاقيات الطبية الأخرى".
ولاحقاً وافقت نقابة الأطباء الإسرائيلية على إزالة العبارة، وعدلتها بقواعد جديدة للعلاج بالاستناد إلى الحاجة وحدها، ودخلت التعديلات حيز التنفيذ مع بداية هذا الأسبوع.
وأثار هذا القرار موجة جدل على الصفحة الأولى من صحيفة "إسرائيل هيوم"، والتي ركزت على حقيقة أن ميثاق الأخلاقيات هذا يقود إلى أن كل من ينفذ هجوماً "إرهابيا" تتم معالجته بالضرورة قبل الضحية إذا كانت جروحه أخطر.
وأوردت الصحيفة ذاتها رداً من فيلسوف في جيش الاحتلال هو آسا كاشير الذي طوّر المفهوم "المغلوط": "مدنيو العدو".. في حين ألّف الميثاق الأخلاقي الخاص بجيش الاحتلال، قائلاً إنه في الظروف الاستثنائية، فإن المعايير الطبية المتعارف عليها ليست كافية.
وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، الذي ليس من المستغرب أن يتفوه بتصريحات تحريضية، دعا رئيس نقابة الأطباء الإسرائيليين إلى الاستقالة في أعقاب تصريحاته، قائلاً إنه "لقرار مخجل أن يتم علاج الجرحى الأخطر جراحاً أولاً، حتى لو كانوا إرهابيين".
ورداً على ذلك قال رئيس نقابة الأطباء الإسرائيليين ليونيد إيدلمان إن"هذا قرار غير إنساني، اتُّخذ من أشخاص فقدوا بوصلتهم الأخلاقية". وأكّد إيدلمان أن أحداً لن يستقيل، موضحاً أن الاعتبارات الطبية فوق أي اعتبارات أخرى.
وأوضح إيدلمان أن معظم المسعفين الإسرائيليين تصرفوا وفق الحيادية الطبية، وأنهم بمجرد إدراكهم أن عبارة "زيف" قد تتعارض مع الجانب الأخلاقي، اتخذوا قرار محوها.
كما أن الحاخام يوفال شيرلو، أحد مؤسسي المنظمة الحاخامية الرائدة في إسرائيل، وعضو لجنة الأخلاقيات في وزارة الصحة، انتقد القرار أيضا.
وبينما احتفظت وزارة الصحة بالصمت طوال هذا الجدل، وجد زيف أنه "غريب للغاية، أن تزيل نقابة الأطباء الإسرائيليين عبارة تتماشى مع الأخلاقيات والمعايير الدولية وتتعرض لهجوم من أجل ذلك، في حين لم تقل وزارة الصحة شيئاَ في هذا الشأن حتى الآن".
منظمة متطوعي العمل الطبي المجتمعي (ZAKA) أعلنت أن متطوعيها سيستمرون في علاج الضحايا قبل الجناة بغض النظر عن شدة جروحهم، وأن هذا في قلب حقوق الإنسان.
وعلى الرغم مما قد يعتقده ليبرمان، فإن قرار نقابة الأطباء الإسرائيليين إنساني تماما، وإن مهمة هؤلاء العاملين في الحقل الطبي هي ممارسة الحياد المنصوص عليه في اتفاقية جنيف، والذي يقع في قلب المنظمات مثل أطباء بلا حدود، وكلها تتفق على إعطاء حق الأولوية لمن يعانون من إصابات خطيرة وتستدعي السرعة في تقديم العلاج.
من جانبة أكد زيف أن "الطبيب ليس قاضياً، ولا جلاداً، وينبغي التصرف وفق ميثاق أخلاقيات المهنة".
هذه القضية من أكثر القضايا الانفعالية، وتتعارض مع كثير من قناعات الناس الشخصية بصورة مفهومة، لا سيما بالنظر إلى حدّة الأوضاع الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن هذا الأمر يتجاوز السياسات والصراعات والآراء الفردية، وهو واحد من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها ممارسة العمل الطبي، والذي بحد ذاته يعكس أعظم حق من حقوق الإنسان: الحق في الحياة.
هذا واجب أخلاقي يملي علينا احترام حق الآخرين في العيش، حتى لو كانوا لا يحترموننا، هكذا علقت المجلة، وهذا المبدأ بحاجة ماسّة لأن يتم اختباره لدى كثيرين، في وقت يُعتقد أن العنف لا نهاية له، ولكن دونه نفقد إنسانيتنا تماماً.
واختتمت المجلة تقريرها بالتساؤل: وضع هذا المعيار الأخلاقي موضع الشك، يترك خلفه مجموعة من الأسئلة المزعجة: ماذا لو أعادت وزارة الصحة اشتراط الفرز التمييزي (العنصري) في موقع الحادث أو في المستشفى؟ ماذا لو رفض أحد الأطباء هذا الأمر؟ هل سيتعرض الطبيب للإجراءات الجنائية؟ من الذي يضع ويؤسس مقاليد العمل الطبي في إسرائيل: الأطباء أنفسهم أم السياسيون؟
مواضيع ذات صلة