الحذر من سيناريوهات تصعيد عنف المستوطنين
باسم برهوم
ونحن نتناول العنف المتصاعد للمستوطنين، علينا أن نتذكر ما حدث قبل نكبة عام 1948، كيف انتقل اليشوف اليهودي، بعد أن استكمل بناء ذاته على أرض فلسطين، إلى ممارسة العنف ضد الشعب الفلسطيني، وكان الهدف البدء بتثبيت واقع يمهد لقيام "الدولة اليهودية".
علينا أن نكون حذرين ليس من نوايا المستوطنين وإنما من نوايا وأهداف إسرائيل كلها، فقد نكون أمام رسم خريطة جديدة في الضفة الفلسطينية يقود خلالها عنف المستوطنين الى واقع الكانتونات وتصفية فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة نهائيا.
وفي التفاصيل، وفي نظرة لتاريخ الاستيطان الصهيوني، نلاحظ كيف نشرت الحركة الصهيونية مستعمراتها لتعزل تدريجيا المدن الفلسطينية الرئيسية وتحاصرها وتمنع تواصلها مع امتدادها الريف الفلسطيني.
هكذا حصل مع القدس ويحصل الآن، وهكذا حصل مع يافا وحيفا وعكا وصفد، وما ان نشبت حرب عام 1948 حتى اكتشفنا ان مدننا قد كانت محاصرة ومقطعة التواصل فسقطت الواحدة بعد الاخرى مع الأسف الشديد.
واليوم وفي نظرة للواقع في الضفة نلاحظ كيف باتت الخليل ونابلس وبيت لحم ورام الله وطولكرم وقلقيلية، مدنا محاصرة بالجدار والمستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال.
وكنا راقبنا كيف عزلت دولة الاحتلال القدس الشرقية المحتلة من كافة الجهات وكان آخر التطويق عندما عزلت القدس عن بيت لحم في الجنوب بإقامة مستوطنة "هار حوما" جبل ابو غنيم، وفي الشمال الشرقي عبر بناء الجدار العنصري الفاصل وعدد من المستوطنات الموزعة ضمن خط منيع.
مشاريع ضم الضفة العلنية المباشرة، التي كان نتنياهو يسابق الزمن في فرضها إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق ترامب، باءت بالفشل، وكذلك ضم منطقة الاغوار، وذلك بسبب مقاومة الشعب الفلسطيني من جهة، ورفض المجتمع الدولي للفكرة لأنها تنهي كافة فرص السلام في المنطقة من جهة أخرى.
ولكن وما عرف عن إسرائيل الصهيونية، انها تفرض مخططاتها عبر فرضها كواقع على الأرض بالقوة ومن ثم تفرضها بالسياسة، لذلك فإن علينا الحذر ومراقبة ما تسعى اليه من خلال إدخال الضفة بما يشبه الحرب الأهلية بين المستوطنين والشعب الفلسطيني حرب قد تقود الى فرض واقع تقوم من خلاله إسرائيل بضم عملي لمناطق "ج" وتقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، وخصوصا مع ما أعلنته من مشاريع لبناء مستوطنة في المنطقة "E 1"، التي تفصل شمال الضفة عن جنوبها.
هذا التحدي الخطير ليس بحاجة الى سياسة تعتمد على ردات الفعل، فهذه المعركة تحتاج إلى ذكاء أكثر منها الى عضلات فقط. علينا الا ننقاد الى ما تريد إسرائيل اقتيادنا نحوه.
المسألة تحتاج إلى أكثر من مستوى نضالي من أبرزها القيام بحملة سياسية ودبلوماسية وحملة علاقات عامة على الساحتين الدولية والعربية تشرح مخاطر النوايا الإسرائيلية من وراء تصعيد عنف المستوطنين.
وبموازاة ذاك تنظيم حالة دفاعية سلمية عن المدن والقرى الفلسطينية وفي مفارق الطرق الخطرة وحشد وسائل الإعلام فيها، بالإضافة إلى تنظيم زيارات منتظمة للسفراء والقناصل لإبراز مخاطر عنف المستوطنين على مستقبل حل الدولتين والسلام في المنطقة.
قد يبدو أن الوقت قد فات لتغيير الواقع وأمام أي تحرك نضالي فلسطيني مؤثر يغير المعادلة، والحقيقة أن الوقت لم يفت بعد إذا تصرفنا بالشكل الصحيح واعدنا توحيد أنفسنا بالاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة يلتزم بها الجميع.
علينا ألا نكرر الأخطاء التي قادت الى نكبة عام 1948. وان نخوض مواجهة حاسمة بهذه الاهمية والخطورة دون خطة ونحن منقسمون على بعضنا البعض. على كل الاطراف الفلسطينية ان تنهي رهاناتها الفصائلية، فلا مستقبل لأي فصيل ولا لنا جميعا اذا لم نتوحد في المواجهة الحالية.
سيكون الوقت قد فات اذا لم نبادر الى تنحية خلافاتنا وعقد اجتماع وطني شامل على وجه السرعة ينهي الانقسام ويضع خطة موحدة للمواجهة علينا لا نستهين بعنف المستوطنين الذي قد يتدحرج ويكبر ككرة الثلج فجأة. ان رهان حماس على دولة في غزة هو وهم واستمرار مناكفتها مع منظمة التحرير لا يخدم الا المخطط المشار اليه، كما ان إقامة دولة في الضفة دون غزة والقدس هو أمر مستحيل.
وكما هو معروف فإن الواقع العربي صعب، وان إمكانية نهوضه هو هدف بعيد التحقيق في هذه المرحلة، لذلك يبقى الرهان على البعد الوطني الذاتي للشعب الفلسطيني الذي دونه لن يتغير أي واقع. الوقت يداهمنا والساعة تدق بسرعة، لذلك لا مجال للتردد والتأجيل، الجميع في مأزق كبير، ولا خلاص لن يتحقق الا بالكل الفلسطيني، كل موحد ومتماسك، وفقط في مثل هذه الحالة نصبح مؤثرين ويمكن ان نقلب سحر إسرائيل عليها.
يبقى أن نؤكد: حذاري من سيناريوهات تصعيد عنف المستوطنين، فهي قد تكون أخطر مما نتوقع ونتخيل في هذه المرحلة.